عبدالله الكبير

 وافق مجلس الأمن على تعيين الدبلوماسية الغانية حنه سيروا تيتيه في منصب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا.

مضى وقت طويل في كواليس مجلس الأمن، قبل أن يحسم الخلاف القائم حول الشخصية التي ستخلف المبعوث السابق عبدالله باتيلي، بين روسيا من جهة وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى.

وبعد طرح اسم المرشحة الغانية على المجلس من قبل الأمين العام، صوت الأعضاء بالموافقة، ولكن المندوب الروسي طلب بعض الوقت للدراسة قبل أن يعلن موافقة بلاده على السيدة تيتيه.

يتمتع المبعوث الأممي المعين من قبل مجلس الأمن بصلاحيات واسعة، بالمقارنة مع الصلاحيات المحدودة والضيقة للمبعوث بالانابة، كما هو الحال مع السيدة ستيفاني خوري التي تولت المهمة خلفا لباتيلي، ولم توفق في حشد الدعم الدولي لأي مبادرة سياسية يمكن أن تسفر عن بعض النتائج، وتفك حالة الجمود السياسي وانسداد الأفق نحو إجراء الانتخابات، ما اضطرها إلى الإعلان عن تشكيل لجنة استشارية لمراجعة قوانين الانتخابات.

وطرح مقترحات بشأن تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، ولا يظهر أن هذه اللجنة تملك أي صلاحيات أخرى غير تقديم مقترحات، لا ضمانات بقبولها من سلطات الأمر الواقع.

تملك السيدة حنه المبعوثة الجديدة للأمم المتحدة خبرة طويلة في العمل السياسي والدبلوماسي، فحسب سيرتها الذاتية تولت عدة مهام ومسؤوليات في بلادها وفي الأمم المتحدة.

ولكن المهمة المنوطة بها لا تستلزم فقط الخبرة والكفاءة والمهارة الدبلوماسية، فمن سبقها من مبعوثين لم تكن تنقصهم الخبرة، لأن الأزمة الليبية تزداد تعقيدا مع مرور الأيام، وتتعاظم التدخلات الخارجية المتضاربة المصالح، فضلا عن غياب الإرادة الوطنية لدى الأطراف الداخلية، المستعدة دائما لتقويض أي مبادرة ستؤدي حتما إلى فقدانهم لسلطتهم ونفوذهم.

 لم تكن المشكلة يوما في شخصية المبعوث الأممي وجنسيته، بل هي حصرا في التنازع الدولي والإقليمي، ولعل الخلافات المعلنة في مجلس الأمن بين القوى الكبرى، التي تصل أحيانا إلى حد التلاسن وتبادل الاتهامات، هي المعضلة الأساسية في الأزمة الليبية، ولا مؤشرات عن إمكانية التوصل إلى الحد الأدنى من التوافق، يترجم بقرارات واضحة وملزمة تضع البلاد على طريق الحل.

فروسيا تواصل توغلها في ليبيا لتكون قاعدتها الرئيسية في أفريقيا، ومركز الإمداد للمقاتلين والأسلحة والدخائر لبقية الدول التي تملك فيها روسيا نفوذا، واتفاقيات أمنية وعسكرية، وهذا يدفع أمريكا وبريطانيا للتحرك لمواجهة التمدد الروسي، والحيلولة دون تأسيس قواعد عسكرية طويلة الأمد في ليبيا.

 إلى جانب الصراع الروسي الغربي، هناك صراعات أخرى أقل حدة لأنها أقرب إلى التنافس بين فرنسا وإيطاليا، وبين مصر وتركيا، ولكنها مؤثرة على الحالة الليبية، ويمكن لأي من هذه الدول احباط أي تغيير لا يخدم مصالحه

في هذا الوضع يجد المبعوث الأممي نفسه كمن يمشي على حبل معلق في الفضاء، يتعين عليه أن يسير بحذر، وأن يحافظ على توازنه لكي لا يسقط في الفراغ، والتوازن هنا يعني الأخذ بعين الاعتبار مصالح كل الدول المنخرطة في الصراع.

فهل يمكن للمبعوثة الجديدة، أو أي مبعوث أن يرضي كل هذه الدول على اختلاف مصالحها، بل وتناقضها أحيانا؟

لذلك لا مبالغة في القول أن مهمة المبعوث الأممي في تيسير الوصول إلى توافق، بين مختلف الأطراف المتصارعة شبه مستحيلة، لأن المناخ الدولي والإقليمي مضطرب ولا يدفع نحو تهدئة بؤر الصراع، أو حل الأزمات المتفاقمة في كل القارات.

_____________

مقالات مشابهة