سعد سعيد
تحصين ضمانات المحامي من الأولويات لضمان حق الدفاع
هل شكل الإعلان الدستوري لسنة 2011 وخاصة ما ورد بالمادة 7 منه حول حقوق الإنسان نقطة فارقة في تاريخ حق الدفاع في ليبيا؟ أي إضافة على مستوى القوانين والممارسة القضائية في الاعتماد على المواثيق والمعاهدات الدولية لتعزيز ضمانات حق الدفاع؟
نعم، شكل الإعلان الدستوري نقطة فارقة في تعزيز حق الدفاع، حيثُ تبلور ذلك الحق في شكل نصوص أساسية تمثل مرجعية عليا، يمكن الاعتماد عليها في مواجهة أي تصرفات تشريعية أو إدارية تستهدف انتهاكه أو الانتقاص منه.
إلى أي مدى شكلت المواد 31 و32 و33 من الإعلان الدستوري لسنة 2011 تدعيما لحق الدفاع كأحد ضمانات المحاكمة العادلة في ليبيا على مستوى النصوص والتطبيق؟
لا شك أن تلك النصوص بما تمثله من ضمانات للمحاكمة العادلة، قد انعكست إيجابياً على حق الدفاع من الناحية النظرية وأن أهم تطور هو النص على حظر إنشاء المحاكم الاستثنائية، وكذلك حظر تحصين أي قرار من رقابة القضاء. إلا أن الواقع العملي قد يفضي إلى نتائج مغايرة، حيثُ أن المشرع الليبي لم يلتزم بذلك في بعض التشريعات الجنائية من حيث خلق نصوص تجريمية بصيغ عمومية غامضة أو مبهمة. كما هو الحال في القانون رقم (5) لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية مخالفاً بذلك النص الدستوري من حيث أنهُ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” وهو ما يفترض أن يكون نص التجريم واضحاً ومحدداً ومنصباً على وقائع وسلوك واضح.
كما أن التراجع الذي أحدثه المشرع من خلال إلغائه للقانون رقم (11) لسنة 2013 بشأن تعديل قانون العقوبات والإجراءات العسكرية، والذي ألغى محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، يعد انتكاسة وانتهاك لحقوق المتهمين في محاكمة عادلة وأمام قاضيهم الطبيعي. حيثُ أعاد المشرع للمحاكم العسكرية بموجب القانون رقم (4) لسنة 2017، الحق في محاكمة المدنيين أمامها في بعض الجرائم. وبالتالي فأن التطبيق العملي يُبين أن المشرع الليبي لم يتقيد بم ورد في تلك المواد.
الواضح أن السلطة التشريعية لا تعتبر أن ملاءمة النصوص التشريعية الصادر قبل عام 2011 للواقع الدستوري القائم اليوم من أولوياتها، بل أن أولوياتها معكوسة تماماً مثل اهتمام مجلس النواب بقانون مكافحة السحر.
بماذا تفسرون ظاهرة الرجوع إلى نصوص ما قبل الثورة والمخالفة للإعلان الدستوري حكوميا وقضائيا؟
يعود ذلك بالأساس لحقيقة عدم تواجد إرادة سياسية صادقة وجادة، لإحداث تغير في المنظومة التشريعية بما يتناسب مع أحكام نصوص الإعلان الدستور. فلا تختلف السلطات القائمة اليوم كثيراً عما قبل عام 2011 من ناحية رغبتها في الاستبداد، وقلقها من كل ما لهُ علاقة بحقوق الإنسان. وللأسف فأن القضاء يشاركها في ذلك عندما يتعمد تعطيل الفصل في الكثير من تلك النصوص المخالفة للإعلان الدستوري، والتي تم الطعن عليها بعدم الدستورية. هذا الوضع في تقديري سوف يستمر، فالواضح أن السلطة التشريعية لا تعتبر أن ملائمة النصوص التشريعية الصادر قبل عام 2011 للواقع الدستوري القائم اليوم من أولوياتها، بل أن أولوياتها معكوسة تماماً مثل اهتمام مجلس النواب بقانون مكافحة السحر.
هل لكم أي تصور أو اقتراحات لمواد دستورية تضمن حق الدفاع في الدستور المنتظر؟
ربما دسترة مهنة المحاماة، وتنظيم إطارها العام كجهة وحيدة، تتولى حق الدفاع دون منافسة من جهات حكومية أخرى (المحاماة الشعبية) حيث يساهم في تعزيز ذلك الحق. بالإضافة لتقرير حق الاستعانة بمحامي أمام مختلف الجهات الضبطية والقضائية، وحق المتهم في طلب ذلك، وتوقف صحة الإجراءات المتخذة على مدى إجابته لذلك الطلب، سوف يساهم بشكل فعال في تعزيز حق الدفاع من الناحية الواقعية والعملية.
إلى أي مدى تساهم نقابات المحامين في تعزيز حقوق الدفاع؟
يعاني العمل النقابي في ليبيا بشكل عام من ضعف، وهذا راجع لضعف التجربة، وقلة المُراكمة، وحالة التضيق السياسي طيلة العقود الماضية، ونقابة المحامين في ليبيا ليست استثناء. فالواقع يقول أنها اليوم تحولت لكيان معنى فقط بتنظيم شئون منتسبيها، وليس لها أي دور واضح سواء في الشأن الحقوقي أو السياسي. وما يعزز ذلك أننا لم نرى تقرير واحد بشأن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا وخصوصاً فيما يتعلق بالحقوق التي تعنى بها مهنة المحاماة بشكل خاص مثل حق الدفاع، لذلك يمكن القول أنهُ لا دور واضح لنقابة المحامين، في الوقت الحاضر، فيما يتعلق بتعزيز ذلك الحق.
…
يبتع
***
سعد سعيد ـ محامي، وباحث أكاديمي عاصر المحاماة في ظل نظام القذافي ولازال يشتغل بها إلى الآن.
_______________