عبدالله الكبير

في تطور لافت دعا فوزي النويري نائب رئيس مجلس النواب في بيان ممهور باسمه إلى إجراء انتخابات نيابية عاجلة لاستعادة الشرعية ووحدة الوطن، مستشهدا بالانتخابات البلدية التي أكدت رغبة الليبيين في اختيار ممثليهم، وقدرة المؤسسات الوطنية على تنفيذها.

النويري لم يخرج سابقا عن إرادة المجموعة المسيطرة على القرار في مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، وهي إرادة في محصلتها الأخيرة تنفيذ قرارات عائلة حفتر القابضة على السلطة في شرق البلاد بالأجهزة الأمنية والعسكرية والسجون والقمع، إلا في هذا البيان وقد جاء تحت عنوان بارز.

نداء لإنقاذ الوطن، وهو عنوان يحمل دلالة لا تخفى عن إدراك كاتبه للمنزلق الخطير الذي يتهاوى فيه الوطن، ويضيف النويري مدافعا عن دعوته لإجراء انتخابات نيابية عاجلة باعتبارها الحل الوحيد لاستعادة الشرعية وإنهاء الانقسام بعيدا عن شرعية الأمر الواقع التي تفرض على حساب الوطن والمواطن“.

البيان سحب من منصات مجلس النواب عقب وقت وجيز من نشره، وهو ما فسره بعض المتابعين بعدم وجود توافق حوله داخل مجلس النواب، أو ربما تدخل أحد أبناء حفتر وأمر بسحبه، لأن الجميع يعلم أن إجراء انتخابات برلمانية ممكن حتى في ظروف الانقسام السائدة، ونجاحها مضمون بنسبة عالية، ومن ثم فهي تهديد حقيقي لسلطات الأمر الواقع، ومدخل سليم للتغيير حسب المتاح في الوقت الراهن، وما الإصرار على ربطها بالانتخابات الرئاسية إلا لغرض افشالها، وحتى مسودة قوانين لجنة بوزنيقة تضمنت مادة تلغي الانتخابات برمتها إذا فشلت الانتخابات الرئاسية.

حجة المعارضين للانتخابات النيابية فقط، هي فشل هذه الانتخابات في قيادة البلاد مرتين، الأولى مع المؤتمر الوطني العام والأخرى مع مجلس النواب الحالي، وهذه الحجة باطلة قطعا لأن كلا الجسمين لم ينتخبا كبرلمان كامل الصلاحيات في دولة مستقرة بمؤسساتها، وإنما هما أقرب للجمعية التأسيسية المناط بها إصدار دستور دائم، وسن القوانين في حالة الضرورة وبما يؤدي إلى تسريع إنهاء المرحلة الانتقالية.

كلاهما اخفق في إكمال المسار الدستوري، ويحسب للمؤتمر الوطني إشرافه على انتخابات الهيأة الدستورية وعدم تدخله في عملها، بينما رفض رئيس مجلس النواب إجراء الاستفتاء رغم أن الإعلان الدستوري يلزمه بذلك.

وفي طرح موازِ، دعا موسى الكوني نائب رئيس المجلس الرئاسي عن الجنوب إلى عودة العمل بنظام الأقاليم والمحافظات، واستعادة النظام الإداري للبلاد قبل انقلاب سبتمبر، وقد قوبلت الدعوة بردود فعل متباينة بين القبول والرفض والتحفظ والقبول بشروط، ولكن المهم هو أن المبادرتان حركتا المياه الراكدة إلى حين.

ومع كل التقدير لما طرحه الكوني، ووجاهة الحجج التي يدفع بها، وهي ضمان توزيع السلطات بين الاقاليم، وكذلك ضمان العدالة في الخدمات العامة بين المحافظات، ومن ثم تخفيف الضغط على العاصمة، وكذلك إحباط أي دعوات للتنافس أو السيطرة عليها، وهذا متفق عليه بالطبع.

فالضرورة الجغرافية وضعف المواصلات تحتم اعتماد نظام إداري لا مركزي، لأن النظام المركزي استقطابي بطبيعته، ماجعل التركيز السكاني داخل العاصمة وحولها، بينما تنخفض الكثافة السكانية في الأطراف والدواخل، إلى حد يهدد بوقوع تغير ديمغرافي بطئ وخطير، يهدد وحدة السكان ويضغط على ثروات البلاد المحدودة وندرة المياه بها.

ولكن قبل الوصول إلى مرحلة النقاش حول النظام الإداري الأنسب، علينا أولا أو نفكر في السبيل الممكن للتخلص من سلطات الأمر الواقع، وكيف يمكن القضاء على الحكم العائلي في شرق البلاد، وبعدها سيكون الطريق مفتوحا أمام الشعب ليختار مساره الملائم والمقبول من كل المكونات.

ولعل الطريق الأقصر والمتاح هو الضغط الشعبي المتواصل للعودة إلى المسار الدستوري، فمسودة الدستور جاهزة منذ سنوات، واللجنة التي صاغتها منتخبة، نحن بحاجة فقط إلى استعادتها من أدراج مجلس النواب، نفض الغبار عنها، وطرحها للاستفتاء.
______________

مقالات مشابهة