داود علي

تقف ليبيا اليوم على مفترق طرق، تحاصرها الأزمات من كل جانب؛ فمنذ سنوات والصراع بين حكومتين متنازعتين يلقي بظلاله الثقيلة على كل جوانب الحياة

وسط مشهد أمني متردٍّ وانقسام مجتمعي عميق بين الشرق والغرب، وفي خضم هذا الواقع المعقد، تبرز قضية توطين المهاجرين غير النظاميين كواحدة من أخطر التحديات التي تهدد استقرار البلاد ومستقبلها.

وعزز مخاوف توطين المهاجرين هذه المرة تصريح منسوب إلى وزير الحكم المحلي بحكومة الوحدة الوطنية، بدر الدين التومي خلال لقاء مع مسؤولي المنظمة الدولية للهجرة في 11 مارس/ آذار 2025، زُعم أنه قال فيه: إن بلاده موافقة على توطين المهاجرين“.

ورغم أن منصة تبيانالتابعة لحكومة الوحدة الليبية نفت صحة هذه التصريحات، وأكدت أنها أخبار مضللة لا أساس لها من الصحة، لكن لم يقف سيل التفاعل من مسؤولين وسياسيين ليبيين مع الحدث.

ردود فعل غاضبة

وسرعان ما صدر بيان من المجلس الأعلى للدولة يقول فيه: إنه “يتابع بقلق الأخبار المتداولة بشأن تحركات بعض المنظمات الدولية نحو ما يعرف ببرنامج الإدماج”. وأكد “رفضه القاطع لجميع محاولات توطين المهاجرين في ليبيا تحت أي ذريعة”

ووقفت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا ضد ما أسمته مشروع توطين اللاجئين من قبل منظمات دولية“. 

وأعلنت رفضها القاطع لأي توطين للمهاجرين، ودعت إلى ضرورة أن تتولى وزارة الداخلية معالجة ظاهرة الهجرة غير القانونية، وتنظيم العمالة الوافدة عبر آليات قانونية وأمنية وعمالية منظمة.

ثم أصدر ائتلاف القوى السياسية في ليبيابيانا عبّر فيه عن قلقه مما يتم تداوله بشأن التوطين، وطلب ضرورة احترام سيادة ليبيا وقراراتها السيادية، وأشار بيان الائتلاف إلى أن مثل هذه المشاريع قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد“.

وتعالت أصوات مثل خالد المشري، المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، ضد هذا التحرك، وقال في بيان: “إن الوضع يمثل خطرا ديموغرافيا يهدّد حاضر ومستقبل الأمن القومي الليبي“.

وأبدى رفضه القاطع لمحاولات بعض المنظمات الدولية الدفع باتجاه توطين المهاجرين غير النظاميين“.

وأضاف: “أنه يتابع بقلق تحركات تلك المنظمات، نحو ما يعرف ببرنامج الإدماج، الذي يهدف إلى توطين آلاف المهاجرين غير النظاميين في ليبيا“. 

كذلك دعت حركة لا للتوطينإلى تنظيم مظاهرات رافضة لهذه الخطوة، مؤكدة ضرورة الحفاظ على الهوية الليبية والنسيج المجتمعي

كما طالبت بمحاكمة المسؤولين المتورطين في هذه التصريحات وإقالتهم فورا من مناصبهم.

وهو ما جعل وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، لاستباق التظاهرات عندما أعلن أن ملف الهجرة غير النظامية يمثل تهديدا للأمن القومي الليبي ويحتاج إلى موقف حاسم.

وشدد على أن ليبيا لم تدخر جهدا في مواجهة هذه الأزمة وتواصل العمل بجدية للتصدي لها داعيا إلى وقفة وطنية موحدة لمجابهتها.

وتابع الوزير أن التقديرات تشير إلى أن أعداد المهاجرين غير النظاميين في ليبيا تجاوزت ثلاثة ملايين شخص.

ووصف الوضع بأنه غير مقبول، كما جدد التعبير عن استعداد الوزارة للتعاون مع القوات المسلحة من أجل تأمين الحدود الجنوبية التي أصبحت نقطة رئيسة لتدفق المهاجرين.

كما دعا الدول المستهدفة بالهجرة وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي إلى تحمل مسؤولياتها والوقوف إلى جانب ليبيا بجدية بدلا من التنصل من التزاماته

تلك الحالة تسببت في ظهور موجة غضب ضد اللاجئين والمهاجرين عموما، ودعا تجمع يعرف باسم شباب مصراتة، إلى الخروج في مظاهرات أمام قاعة الشهداء بالمدينة، للضغط على الحكومة لطرد المهاجرين.

وانضمت المحامية والسياسية الليبية، ثريا الطويبي، إلى المطالبين بطرد المهاجرين.

وقالت: “على كل مواطن ليبي يحب بلده الخروج في الميادين للاحتجاج على التوطين، وإلزام مجلس النواب بإلغاء الاتفاقية التي وقعها فائز السراج (رئيس حكومة الوفاق الوطني السابقة)، ومنع أي اتفاقيات أخرى“.

وحذرت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، في 20 فبراير/ شباط 2025، من استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في ليبيا.

ومن بين هؤلاء الذين يتعرضون للانتهاكات، الأطفال، بحسب المسؤولة الأممية التي أشارت إلى تعرضهم للتعذيب والمعاملة القاسية واللا إنسانية، وكذلك القتل.

ووفقا لمشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة، فإنه من بين 965 حالة وفاة واختفاء مسجلة في ليبيا ضد المهاجرين في عام 2024، حدث أكثر من 22 بالمئة منها على الطرق البرية.

منافع مادية وسياسية

ويتمركز عدد كبير من المهاجرين في العاصمة الليبية طرابلس والشق الغربي من البلاد عموما، وفي 13 يوليو/ تموز 2024 كشفت الإذاعة الفرنسية الحكومية “RFI” عن ممارسة حكومة الدبيبة لعبة مزدوجةفي تعاطيها مع ملف الهجرة.

وقال: “إن الدبيبة يعمل على تحقيق منافع مادية وسياسية، حيث يشتكي من توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين، وفي نفس الوقت يطلب من الاتحاد الأوروبي ضخ المزيد من المال للاحتفاظ بهم“.

وأشار التقرير إلى تصريحات وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، التي ذكر فيها أن ليبيا، التي يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة، بها 2.5 مليون مهاجر، منهم 70 إلى 80 بالمئة في وضع غير شرعي ويستقرون في المنطقة الغربية“. 

وتحدثت عن القلق من تهديد مبطن أطلقه الطرابلسي، عادة إياه دق ناقوس الخطر بتأكيده أن محاولة التوطين الدائم لهؤلاء المهاجرين في ليبيا أمر غير مقبول.

وأيضا تشديده على مساعي طرابلس لإيجاد حلول جذرية لمشكلة الهجرة من أجل تنظيم وجودهم على أراضيها أو مغادرتهم

وقال الباحث المتخصص في شؤون الهجرة، فرانسوا جيمين للإذاعة: “إن الجانب الأوروبي عليه أن يتخذ المزيد من التدابير لمراقبة الحدود ومواجهة ظاهرة توافد اللاجئين من ليبيا وتونس“.

40 % من الهجرة عبر المتوسط

وتحدث الدبيبة بشكل واضح عن الأموال وضرورة تلقي الدعم من الدول الأوروبية خلال كلمته الافتتاحية لأعمال منتدى الهجرةيوم 17 يوليو.

ودعا صراحة إلى توجيه الأموال التي تنفق من أجل إدارة تدفقات الهجرة غير النظامية لتمويل مشروعات تنموية في دول المصدر ومنها ليبيا.

وذكر أن المهاجر يقطع الصحراء من دول إفريقيا، وكثير من الأفارقة يموتون عطشا وجوعا، أما من يصلون إلى ليبيا يفكرون كيف يقطعون البحر الأبيض المتوسط.

وأتبع: القليل منهم فقط من يجد نفسه في معسكر في إحدى الدول الأوروبية ، وقال: إن الأموال التي تصرفها أوروبا خلال آخر 50 عاما لم تحل هذه المشكلة؛ لأنها لا تذهب إلى الدول المصدرة (للاجئين مثل ليبيا).

وأوضح أن أوروبا تستخدم الكثير من الطرق لمنع هؤلاء الذين تدفع بهم إفريقيا بحثا عن المعيشة الجيدة، بينما وجدنا أنفسنا وسط ضغط من الشمال والجنوب“. 

وكما يقول الدبيبة، فإن لليبيا وضعها الخاص في عمليات الهجرة، وهو ما كشفه تقرير لـ وكالة حرس الحدود الأوروبيةومقرها العاصمة الألمانية برلين، في 9 يونيو/ حزيران 2024.

وذكر التقرير أن عمليات عبور المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا خلال عام 2023 كانت الأكبر من نوعها منذ 2016، بعبور 380 ألف مهاجر.

وهو ما يمثل زيادة 17 بالمئة عن الأرقام المسجلة عام 2022، مما يشير إلى اتجاه تصاعدي ثابت على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وبرر هذا الارتفاع الكبير بازدياد عمليات تهريب المهاجرين عن طريق البحر المتوسط ومنطقته الوسطى تحديدا (غرب ليبيا تونس).

إذ مثل الوافدون من هذه المنطقة وحدها نسبة 41 بالمئة بينما وفَد 16 بالمئة من شرق البحر المتوسط.

أما الأمر الذي يجعل ورقة المهاجرين رابحة لدى الدبيبة، أن طرابلس تعد نقطة انطلاق رئيسة للمهاجرين غير النظاميين الفارين من الحرب والفقر في إفريقيا والشرق الأوسط، الراغبين في الانتقال إلى أوروبا.

ففي 18 يوليو 2024، خلال انعقاد جلسات منتدى الهجرة، أعلن وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة وليد اللافي، أن الأرقام الرسمية وغير الرسمية تقدر أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا بأكثر من 40 % من إجمالي الهجرة عبر المتوسط“. 

__________________

مقالات مشابهة