طارق القزيري
«الباب الدوّار» في المناصب مصطلح يُستخدم لوصف الظاهرة التي ينتقل فيها الأفراد بين التكليفات السياسية والإدارية العامة (كالوزارات أو البرلمانات) أو حتى في القطاع الاقتصادي والمالي (الشركات الكبرى) خاصة تلك ذات المصالح المرتبطة بصناعة القرار السياسي.
في ليبيا، لم يكن مفهوم «الباب الدوار» في السياسة وليد مرحلة ما بعد فبراير بالطبع، بل هو امتداد لثقافة ترسخت منذ عهد سبتمبر، حيث ظلت النخبة الحاكمة في حالة إعادة تدوير مستمرة، تتغير أدوارها وتتحول مواقعها، لكنها لا تغادر المشهد أبدا.
في النظام السابق، كان الولاء هو المعيار الأسمى للبقاء داخل الحلقة الضيقة للسلطة، وكان من المألوف أن ترى وجوها تتنقل بين وزارات، أو تنتقل من مواقع تنفيذية إلى لجان شعبية، ثم إلى مواقع استشارية أو دبلوماسية، دون أن يسأل أحد عن أدائه أو إخفاقه.
لم تكن الدولة تدار بمنطق المؤسسات، بل بمنطق «الرضا الثوري»، ومن يدخل تلك الدائرة نادرا ما يقصى نهائيا، بل يعاد تلميعه وتدويره في موقع آخر.
مع رومانسية فبراير، ظن الكثيرون أن هذا الباب سيغلق، وأن وجوها جديدة ستتقدم لقيادة المشهد، قادمة من الشارع أو من رحم الحلم بالتغيير، لكن ما حدث كان أقرب إلى إعادة تموضع للنخبة نفسها.
عادت وجوه من النظام السابق بلباس جديد، واندمجت معها وجوه فبراير التي تشبعت تدريجيا بنفس ثقافة التموقع والمناورة.
أصبح التنقل بين المناصب لا يقاس بالكفاءة أو الرؤية، بل بالقدرة على التكيف مع موازين القوة المتبدلة. من كان ثائرا أصبح دبلوماسيا، ومن كان في الهامش صعد إلى الوزارات، ثم حين تغير السياق السياسي، عادوا جميعا يدورون في الباب نفسه، يتبادلون المواقع دون أن يتبدل جوهر السلطة أو يعاد تعريفها.
هذا التواطؤ الصامت بين العهدين جعل من الباب الدوار أداة لإدامة السيطرة أكثر من كونه ظاهرة عابرة. فلم تكن المشكلة في أن الأشخاص يعودون إلى مناصب، بل في أن النظام نفسه، بروحه وذهنيته، لم يتغير. فبراير لم تقطع مع سبتمبر، بل ورثت عنه كثيرا من آلياته، وزادتها ارتجالا وتفككا.
وبينما ينتظر الناس بزوغ نخب جديدة، ظل المسرح مزدحما بالوجوه نفسها: تعيد تقديم نفسها، تعدل خطابها، تتلون حسب الظرف، لكنها تظل الحاضرة الدائمة، في دولة تؤمن بالتدوير أكثر من التجديد.
____________