د. عبد السلام الورفلي

عند النظر إلى #ليبيا اليوم، حيث تنتشر الميليشيات، وتنهار المؤسسات، ويتفكك النسيج الاجتماعي، لا يمكن لأي مراقب جاد أن يُنكر أن السبب الجذري لكل ما يحدث هو إرث معمر القذافي نفسه — لا مجرد أحداث 2011 أو ما تلاها.

ما تعيشه #ليبيا الآن، من فوضى، وانقسام، وغياب للدولة، هو ثمرة مباشرة لـ42 سنة من الحكم الفردي، العبثي، التدميري، الذي أسسه القذافي وحمى أركانه بالرعب والقمع والفساد والتجهيل.

***

1. تفكيك مؤسسات الدولة وتحويلها إلى خيام خضراء

منذ انقلابه في 1969، بدأ القذافي مشروعه الخاص: تفريغ الدولة من معناها، وتحويلها إلى ظل لشخصه.

حلّ الجيش وألغى الدستور وأغلق الصحف والجامعات، واستبدل كل شيء بـ”اللجان الثورية”، و”الكتاب الأخضر”، و”المؤتمرات الشعبية” التي لم تكن سوى واجهات لمسرحية الطاعة.

لم يترك مؤسسات دولة… بل ترك مسوخًا شكلية، تنهار عند أول أزمة.

***

2. عسكرة المجتمع… وتسليح الانتماء

حوّل القذافي #ليبيا إلى معسكر كبير، كل شيء فيه يخضع لميزان “من معي ومن ضدي”.

سلّح القبائل لخلق صراعات تحت السيطرة

شجع “الثأر الثوري” و”الرقابة الشعبية” لقمع المجتمع بنفسه

زرع ثقافة الخوف، حتى أصبح المواطن يخشى جاره وأخاه

هذا السلاح الاجتماعي، هو ما انفجر بعد 2011… وكان انفجاره حتميًا.

***

3. تجهيل الأجيال ومسخ الهوية

القذافي لم يكن ديكتاتورًا فقط… بل كان مشروعًا ممنهجًا لتدمير الوعي.

ألغى مناهج مدنية، وفرض “الكتاب الأخضر” كمقدّس

أهان التعليم والجامعة، ورفع اللجان الثورية على الأساتذة

خلق أجيالًا بلا أدوات فهم سياسي، ولا وعي قانوني، ولا انتماء وطني سليم

فكان الناتج أجيالًا إمّا خائفة أو ممسوخة… أو ثائرة بدون بوصلة.

***

4. جرائم لم تُحاسب… ومظالم لم تُصحح

أبو سليم: مذبحة راح ضحيتها أكثر من 1200 سجين، ولم يُحاسب عليها أحد

تشاد، أوغندا، ليبيريا، إيرلندا: مغامرات عسكرية وأمنية دمرت الاقتصاد وجعلت من ليبيا دولة مارقة

تفجير لوكربي، أوتاوا، برلين: جرّ #ليبيا إلى الحصار والعزلة، ودفعها ثمناً سياسيًا واقتصاديًا باهظًا

إفقار الشعب وشراء الولاءات بالخارج: بدد الثروة في رشاوى دولية بينما كانت المدن الليبية تعاني

***

5. موت القذافي لم يُنهِ نظامه… بل أطلق أشباحه

سقط القذافي، لكن:

لم تسقط ثقافة الفوضى التي أسسها

لم تختفِ الولاءات القبلية التي غذّاها

لم تُبنَ مؤسسات بديلة لتلك التي حطمها

فخرج الجميع من تحت أنقاض “جماهيرية القذافي” وهم يحملون أدوات التدمير ذاتها، دون بدائل.

***

خاتمة: من يصنع الجحيم، لا يورّث إلا الخراب

من يعتقد أن القذافي لم يكن سبب ما نحن فيه اليوم، إما جاهل بالتاريخ، أو متواطئ مع الظلم، أو حالم بالخراب.

نظام القذافي لم يُسقطه الناتو… بل أسقطه الظلم والاستبداد والغطرسة التي بناها خلال 42 سنة.

ولذلك، فإن كل من يرفع شعاره اليوم، أو يحنّ لعصره، أو يبارك خطابه، يجب أن يسأل نفسه:

هل تريد وطناً… أم سجنًا أكبر من الوطن؟

هل ترغب في نسخة قصيرة تصلح كمنشور؟ أو صيغة يمكن تحويلها إلى فيديو تحليلي بصوت وتعليق بصري؟

______________

ليبيا تربيون

مقالات مشابهة