عبد الله الكبير
مرة أخرى خلال أقل من شهر، تثير تصريحات موسى الكوني عضو المجلس الرئاسي عن الجنوب الجدل بين النشطاء والمتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
المرة السابقة كانت عقب طرحه مبادرة لحل الأزمة الليبية، بمقترح العودة إلى نظام الأقاليم والمحافظات، استنادًا إلى قاعدة تخفيض الصراع على السلطة والثروة، بتفكيك المركزية وتخفيف الضغط على العاصمة، وهذه المرة بحديث أكثر جرأة وصراحة بقوله أن ليبيا دولة محتلة ولا سيادة لها على أرضها.
وهذا الاحتلال غير المعلن مرده، حسب تصريحاته، إلى القوات الروسية والتركية التي تسيطر على القواعد العسكرية الليبية، وذكر أنه كان عائدا من زيارة لدولة أفريقية، ومنعت طائرته من العبور في أجواء قاعدة براك العسكرية في الجنوب الليبي بتعليمات من قيادة القوات الروسية الموجودة في القاعدة.
لا جديد بالطبع في حديث الكوني، فالقوات الروسية موجودة في ليبيا منذ عام 2017 بدعوة من خليفة حفتر وموافقة مجلس النواب، تحت لافتة شركة فاغنر لتقديم خدمات عسكرية وأمنية، قبل أن تنزع اللافتة وتتحول بشكل رسمي إلى قوات تابعة لوزارة الدفاع الروسية.
ثم تمددت وضاعفت من أعداد أفرادها ورفعت مستوى التسليح، وباتت بالفعل تسيطر على قواعد عسكرية في الشرق والوسط والجنوب، وأيضا تتواجد قوات تركية في قاعدتين على الأقل في الغرب الليبي، بناءا على مذكرة تفاهم أمني وعسكري أبرمتها حكومة الوفاق السابقة مع الحكومة التركية، للمساعدة في دحر عصابات حفتر ومرتزقته عن العاصمة في عام 2019.
لماذا الجدل إذا طالما هذه الحقائق واضحة ومعروفة للجميع؟
فلم يخلو تقرير دولي ولا حديث لمسؤول أممي سابق في ليبيا، فضلا عن تقارير خبراء مجلس الأمن الدورية، عن ذكر التواجد العسكري الروسي والتركي مع قوات خاصة تابعة لدول أخرى، ولكنها أقل حجما وفعالية بكثير عن قوات روسيا وتركيا.
السبب الرئيس في تقديري هو صدور هذه التصريحات عن شخصية سياسية ليبية تمارس دورها في السلطة التنفيذية الحالية، فلا مجال إذا للتشكيك في صحتها أو التقليل من أهميتها، وأيضا لأنها كاشفة عن عجز المجلس الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة عن الفعل، والاكتفاء بالبيانات والتصريحات التي لن تحرر البلاد ولن تستعيد السيادة.
ومن الغريب بالطبع أن يحتفظ مسؤول بمنصبه ولا يبادر إلى الاستقالة بعد أن يعرف أنه لا يمارس مهام ومسؤوليات المنصب، أي أن وجوده لا يزيد ولا ينقص، كما لا يمكن اعتبارها تبرئة للذمة لأنها لم ترفق باستقالة.
غير أنها كانت تصريحات كاشفة عن هول مصيبتنا، ولا أقصد هنا الاحتلال حسب وصف الكوني، ولا في عدم استقالته وهو يدرك أنه مع رفيقيه في المجلس مجرد قطع ديكور لتجميل المشهد.
فللمنصاب غواية ومزايا لا يزهد فيها إلا أولى العزم من الرجال، وإنما في الردود التي طالعتها من شخصيات تزعم في كل أحاديثها أنها تطفح بالوطنية بل وتموت عشقا في الوطن، ولا تهتم بالمال والجاه والمناصب، وهي مزاعم طريفة سنحملها على جهة الفكاهات الكثيرة في بلادنا هذه السنوات.
فهذه الشخصيات المتورمة بالوطنية لم تغضب نصرة لوطنها ووطنيتها المزعومة ضد القوات الأجنبية المنتهكة لسيادة ليبيا، أو في أضعف الإيمان تدعو إلى التحقيق والتثبت من ادعاءات الكوني، ثم تتخذ الموقف المتناسب مع ما تدعيه من وطنية، بل شحذت ألسنتها وأقلامها وهاجمته بضرواة وكأنه نطق كفرا.
ولم تجد حجة ترد بها سوى حديث مموج ومكرر عن الفوضى والإرهاب في الجنوب السنوات الماضية، وكأن سيطرة قوات أجنبية على قواعدنا العسكرية أهون من الجماعات الإرهابية، أو كأن من زعم أنه طرد هذه الجماعات وحرر الجنوب يحق له فتح البلاد على مصرعيها للقوات الأجنبية ورهن سيادتها للخارج.
هذه حقيقتنا تكشفها الأحداث والمواقف والتصريحات، مصيبتنا الكبرى في نخب مزورة تروج لكل من يمتلك أسباب القوة طمعا في مال أو منصب، تبرر وتدافع عن جرائمه وخيانته، ويعتريها سعار غير مفهوم ضد كل من يناهضه منتصرا للوطن ضد العملاء.
______________