رياض الجباري

أثارت دعوة صندوق النقد الدولي السلطات الليبية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون، تساؤلات جديدة بشأن تداعيات الفساد المستشري في البلاد.

وبات الليبيون وفق خبراء أمام منظومة فساد متكاملة تعيد إنتاج نفسها وتُحكم قبضتها على مفاصل القرار والثروة، مما يُجهض أي فرصة حقيقية للإصلاح أو النهوض“.

واحتلت ليبيا المرتبة 173 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، بحسب أحدث تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية.

تأثير مدمّر

علّق الباحث السياسي وعضو الأمانة العامة لحزب ليبيا النماء، حسام محمود الفنيش، على هذه الدعوات، قائلًا إن التقارير الدولية الأخيرة بشأن تفشي الفساد في ليبيا وتأثيره المدمر في الموارد العامة والاقتصاد الوطني أثارت جدلًا واسعًا، لما كشفته من معطيات صادمة تعكس عمق الأزمة البنيوية التي تمر بها الدولة“.

وأضاف الفنيش، في تصريح لـإرم نيوز، أن المسألة لم تعد تتعلق بتجاوزات فردية أو خلل إداري محدود، بل نحن أمام منظومة فساد متكاملة تعيد إنتاج نفسها وتُحكم قبضتها على مفاصل القرار والثروة، مما يُجهض أي فرصة حقيقية للإصلاح أو النهوض“.

وأوضح أن الفساد في ليبيا لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام، فهو ليس نتيجة للإنقسام السياسي فقط أو لتعدد الحكومات وتضارب الاختصاصات، بل يعد أحد المحركات الأساسية التي تُبقي هذه الحالة قائمة، إنه شبكة مصالح واسعة، عابرة للمؤسسات والولاءات، تنتعش في ظل غياب المساءلة، وتتكرّس تدريجيًا كثقافة مقبولة أو حتى مبررة في الوعي العام“.

وتابع قوله: “حين تتحول الرشوة إلى عادة، والواسطة إلى ضرورة، والمال العام إلى غنيمة، نكون أمام خلل لا تعالجه القوانين وحدها، بل يتطلب قطيعة شاملة مع العقلية التي أنتجته ورعته، وفق تعبيره.

جهود محدودة

وشدد الفنيش على أنه رغم أهمية الخطوات التي يتخذها مكتب النائب العام في فتح ملفات فساد وإحالة مسؤولين إلى التحقيق ، فإن هذه الجهود ستظل محدودة التأثير ما لم تتحول إلى سياسة وطنية شاملة تحظى بدعم سياسي وشعبي حقيقي“.

وأشار إلى أن مكافحة الفساد تتطلب إرادة لا تخشى الاصطدام بشبكات النفوذ، وتحتاج إلى مؤسسات رقابية موحدة وفاعلة، وتشريعات حازمة تُطبق على الجميع دون استثناء، والأهم من ذلك، إلى وعي عام لا يتسامح مع الفساد ولا يبرره“.

وختم الفنيش بالقول إن الاستمرار في تجاهل عمق هذه الظاهرة هو بمثابة انتحار بطيء للدولة، فلا اقتصاد سيتعافى، ولا استثمار سيُبنى، ولا ثقة ستُستعاد في بيئة تحكمها اللامحاسبة ويهيمن عليها الإفلات من العقاب؛ ليبيا في أمسّ الحاجة إلى إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الحقوق لا الولاءات، وعلى قاعدة الخدمة لا الغنيمة“.

انقسام حكومي

من جانبه، قال المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الليبية، محمد صالح العبيدي، إن الفساد في ليبيا يتغذى من الانقسام السياسي والحكومي، ومن هيمنة الميليشيات على المشهد العام، مشيرًا إلى أن هذا الانقسام انعكس سلبًا على أداء المؤسسات الرقابية، كما حدث سابقًا مع ديوان المحاسبة وغيره“.

وأضاف العبيدي، لـإرم نيوز، لا أمل يلوح في الأفق بشأن مكافحة الفساد؛ لأن أغلب الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي لا تملك الإرادة أو الرغبة الحقيقية للمضي قدمًا في هذا المسار، رغم أن استمرار الفساد يضر بشكل بالغ بموارد الليبيين ومصالحهم“.

____________

مقالات مشابهة