أحمد الخميسي
كشفت ثلاثة مصادر من داخل مصرف ليبيا المركزي لـ“العربي الجديد” أن البلاد تمرّ بأزمة اقتصادية خانقة، داعيةً إلى اعتماد موازنة تقشفية لضمان استقرار سعر صرف الدينار.
وأكدت المصادر أن مجلس النواب مطالب باستيعاب التحديات المالية الراهنة، وتغليب المصلحة الاقتصادية على الاعتبارات السياسية، مشيرة إلى أن “المركزي” لديه برنامج إصلاح اقتصادي يستهدف خفض الإنفاق العام خلال هذا العام.
وحذّرت المصادر من أن تجاهل مجلس النواب لخطورة قراراته المتعلقة بضبط الإنفاق سيُعقّد جهود إنقاذ الاقتصاد الوطني والحفاظ على قيمة العملة المحلية.
وبحسب بيان نشره الناطق باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق، عبر صفحته على “فيسبوك“، فقد وافق المجلس على تشكيل لجنة تضم عضواً عن كل دائرة انتخابية للاجتماع مع إدارة الصندوق، بهدف إعداد الموازنة وتوضيح آليات صرفها بما يضمن شمول جميع المناطق.
كما ناقشت الجلسة، التي ترأسها المستشار عقيلة صالح، تشكيل لجنة فنية لدراسة الاتفاقية الليبية التركية المقدّمة من الحكومة المكلّفة برئاسة أسامة حماد، دون توضيح تفاصيل أو مضمون الاتفاقية.
يُذكر أن مجلس النواب أعلن في فبراير/ شباط 2024 عن إنشاء صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، وأسند إدارته إلى بلقاسم حفتر، نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مانحاً إياه صلاحيات واسعة تعادل صلاحيات وزارة المالية.
وقد استثنى مجلس النواب الصندوق من لائحة العقود الإدارية وقوانين الرقابة المالية وديوان المحاسبة، بموجب قراره رقم 3 الصادر في 6 فبراير 2024، والذي كلّف بموجبه بلقاسم حفتر مديراً عاماً للصندوق.
وقال المحلل الاقتصادي محمد الشيباني، لـ“العربي الجديد“، إن الإنفاق الموازي خلال العام الماضي بلغ 57 مليار دينار خارج الموازنة العامة، ويُعد ديناً عاماً.
وأشار إلى أن تخصيص مشروعات تنموية دون الإفصاح عن تفاصيلها أو قيمتها المضافة للاقتصاد المحلي، وكذلك دون تقديم بيانات حول معدلات النمو التي تحققها، أمر مقلق.
وأضاف الشيباني لـ“العربي الجديد” أن مصرف ليبيا المركزي خفّض قيمة العملة المحلية مطلع إبريل/ نيسان الماضي، مطالباً بتجميد مشروعات التنمية واتخاذ إجراءات تقشفية تهدف إلى استقرار الدينار الليبي. وأوضح أن “المركزي” سحب من احتياطياته من النقد الأجنبي خلال العام الماضي والربع الأول من العام الحالي ما يقدّر بعشرة مليارات دولار، متسائلاً: “هل الوضع الاقتصادي فعلاً مطمئن؟“.
بدوره، قال المحلل المالي صبري ضوء، لـ“العربي الجديد“، إن الوضع المالي الحالي لا يتحمل صرف أموال دون وجود إيرادات نفطية كافية، محذّراً من أن المصروفات تفوق الإيرادات، ما سيؤدي إلى تمويل العجز.
وأضاف أن غياب الضوابط المالية وعدم اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة سيؤديان إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية. وفي وقت سابق، دعا صندوق النقد الدولي إلى توحيد الموازنة العامة كأولوية ملحّة، والحد من الإنفاق الجاري، خصوصاً في بندَي الرواتب والدعم، مع تبني إصلاحات تدريجية في هيكل الأجور ودعم الطاقة، وتنمية مصادر الإيرادات غير النفطية لضمان الاستقرار المالي مستقبلاً.
وتأتي تحذيرات مصرف ليبيا المركزي عقب إعلان مجلس النواب، خلال جلسته التي عقدها في 2 يونيو/ حزيران الماضي، الموافقة على إعداد ميزانية لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بقيمة 69 مليار دينار (ما يعادل 12.5 مليار دولار)، تُصرف على مدى ثلاث سنوات (2025 – 2026 – 2027)، على أساس سعر صرف يبلغ 5.5 دنانير للدولار الواحد.
وأشار مصرف ليبيا المركزي إلى أن حجم الإنفاق العام خلال عام 2024 بلغ نحو 224 مليار دينار ليبي (على أساس سعر صرف 5.5 دنانير للدولار)، موزعة بين حكومة الوحدة الوطنية (123 مليار دينار)، و42 مليار دينار مقابل مبادلة النفط، و59 مليار دينار أنفقتها الحكومة المكلفة من مجلس النواب.
في المقابل، لم تتجاوز الإيرادات النفطية والضريبية المحصّلة 136 مليار دينار، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين الطلب والعرض من النقد الأجنبي، والتي بلغت نحو 36 مليار دولار خلال العام ذاته.
وأكد “المركزي” أن هذه الفجوة ساهمت بشكل مباشر في زعزعة استقرار سعر الصرف، وأعاقت جهوده في دعم الدينار الليبي، كما رفعت معدل عرض النقود إلى 178.1 مليار دينار، مما ينذر بآثار تضخمية خطيرة ومخاطر فقدان الثقة بالعملة المحلية.
كما أشار إلى اضطراره لاستخدام جزء من الاحتياطي، الذي يبلغ حالياً 94 مليار دولار. وفي الربع الأول من عام 2025، بلغت المصروفات بالنقد الأجنبي 9.8 مليارات دولار، مقابل إيرادات لم تتجاوز 5.2 مليارات، ما أدى إلى عجز مالي بقيمة 4.6 مليارات دولار خلال ثلاثة أشهر فقط.
_________________