عبدالله الكبير

حسم الخلاف حول انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة بانتخاب هيأة رئاسية جديدة، بعد سنة من الجدل والطعون القضائية والبيانات الإعلامية وانقسام المجلس، بسبب تنازع تكالة والمشري على رئاسة المجلس.

وبعد فشل كل الوساطات ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين، لم يكن الخلاف داخل المجلس بين عضوين كلاهما طامح في رئاسة المجلس، وإنما هو صراع بين طرفين أو كتلتين كلاهما يتبنى مشروعا نقيضا عن الأخر.

 الكتلة التي يمثلها الرئيس الحالي محمد تكالة أقرب إلى تيار سياسي عريض في المنطقة الغربية، يقف في وجه ممارسات عقيلة صالح باسم مجلس النواب العبثية، والذي يسعى إلى الهيمنة على السلطة التنفيذية بتشكيل حكومة جديدة، ليسقط الاعتراف الدولي بالحكومة الحالية.

ومن ثم تكون الحكومة أداة في يده لتنفيذ مخططاته، باعتباره هو من سيمنحها الثقة مقابل حصوله على النصيب الأكبر من وزاراتها ومؤسساتها، ويترك الفتات لشركائه في المجلس الأعلى للدولة، وهم التكتل الآخر المضاد لتكتل تكالة، وفي مقدمتهم الرئيس السابق للمجلس خالد المشري.

 التئام المجلس بعد هذا التعطل الطويل، يؤكد قدرة الأعضاء على تجاوز الخلافات، والعودة إلى التوافق من أجل عودة المجلس إلى ممارسة مهامه كما نص عليها الاتفاق السياسي.

ورغم اعتراض المشري على الجلسة، وتشكيكه في سلامتها القانونية، وإعلانه الطعن فيها أمام المحكمة العليا، إلا أن الأمر قد حُسم ببلوغ الجلسة النصاب القانوني، وقبول جميع الأعضاء بالإجراءات الاستثنائية بسبب طبيعة الجلسة، ومن ثم فلا مجال للطعن مادام المجلس بأغلبية أعضائه توافق على حسم الجدل بهذه الجلسة.

 اعتراف البعثة الأممية في اليوم التالي بنتيجة التصويت، وتأكيدها على متابعتها للجلسة عبر البث المباشر، واشادتها بنزاهة العملية الانتخابية، يؤكد عودة المجلس إلى وضعه الطبيعي كطرف في السلطة التشريعية، ولن تتعامل مع الأعضاء الذين قاطعوا الجلسة إلا بصفاتهم الشخصية، أي لن تكون في موقف المحايد بين طرفين في مجلس منقسم.

 يرى البعض أن الانقسام لم ينته، مادام المشري وبعض الأعضاء لم يشاركوا في هذه الجلسة، وقد تستمر مقاطعة بعضهم للجلسات المقبلة للمجلس.

وهذا وارد لكنه لن يكون مؤثرا، خاصة إذا استمر المجلس بنفس عدد الأعضاء الذين شاركوا في جلسة انتخاب هيأة الرئاسة، ما سيضفي المزيد من الشرعية لقرارات المجلس.

بل الأرجح هو التحاق بعض الأعضاء المقاطعين أو أغلبهم والمشاركة وإنهاء المقاطعة، مع فقدان الامل في اسقاط شرعية هيأة الرئاسة بعد الاعتراف الأممي، واحتمال عدم قبول الطعن المقدم من المشري وبعض الأعضاء، باعتبار المجلس سيد قراره، ولا يمكن للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا إبطال انتخابات شارك فيها أكثر من ثلثي أعضائه.

 مع كل محاولة لتجاوز الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، بالتواصل مع عقيلة صالح والتماهي مع مشروعه، يسقط طامع في السلطة من دون آسف عليه، مطلقا العويل من القاع، ثم يهدأ مع الأيام ويتآلف مع واقعه، مدركا أن الأحداث تجاوزته، وباتت عودته للمشهد شبه مستحيلة.

وبالتالي يتحول إلى صف المعارضة أو إلى ناشط سياسي يعلق بين الحين والآخر على التطورات، وفي كلتا الحالتين سيقدم فائدة بتسليطه الضوء على زوايا ربما لا ينتبه لها خصومه

 أمام المجلس الكثير من العمل خلال المرحلة المقبلة، لأن هناك مبادرة أممية ستطرح خلال شهر أغسطس، وعلى ضوئها سيكون هناك تحريك للعملية السياسية، وربما تتوج المبادرة بتنفيذ انتخابات عامة، خاصة إذا كان هناك ضغط أمريكي كاف على الأطراف المعرقلة.

ومن هنا على المجلس أن يستعد لكل الاحتمالات في طرح البعثة، بالحرص على عدم التهميش، والمشاركة بفعالية في الاستحقاقات القادمة، بالتمسك بالثوابت والتصدي بقوة لمحاولات عقيلة صالح الهيمنة على كل السلطات.

_________________

مقالات مشابهة