قوى حزبية ليبية ترى أن التلويح بفرض عقوبات على معرقلي العملية السياسية يمثل مؤشراً إيجابياً على توجه دولي لكسر الجمود.
تعيش ليبيا مرحلة دقيقة من التوترات المتجددة، مع تصاعد المطالب الدولية بفرض إجراءات عقابية بحق الأطراف التي تعرقل المسار السياسي المتعثر، في ظل تصعيد أمني خطير تشهده العاصمة طرابلس وعدد من مناطق الغرب الليبي.
وجاء هذا التوجه عقب اجتماع عقدته لجنة المتابعة الدولية المعنية بالملف الليبي، ضمن إطار مؤتمر برلين، بمشاركة دول فاعلة ومنظمات إقليمية ودولية، بينها الاتحاد الإفريقي، حيث لوّحت اللجنة بإمكانية فرض عقوبات متعددة المستويات على الأفراد أو الكيانات التي تُعرقل جهود التسوية أو تواصل تغذية النزاعات المسلحة.
ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي بعد اشتباكات مسلحة دامية اندلعت مؤخراً في العاصمة طرابلس، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى، ما سلط الضوء مجدداً على هشاشة الوضع الأمني، والعجز المتواصل عن تحقيق تقدم فعلي في المسار السياسي، الذي يبدو عالقاً في دوامة الصراع بين حكومتين متنافستين وميليشيات ذات نفوذ ميداني متنامٍ.
وفي هذا السياق، اعتبر أحمد دوغة، نائب رئيس حزب الأمة الليبي، أن التلويح بفرض عقوبات يمثل “مؤشراً إيجابياً على توجه دولي لكسر الجمود“، لكنه حذر من أن النجاح يتطلب إرادة فعلية لا تقتصر على التصريحات، مضيفاً “هناك أطراف تستفيد من استمرار الفوضى، ولن تتراجع دون ضغط حقيقي“.
وأشار دوغة إلى أن العقوبات قد تشمل تجميد الأرصدة المالية، إصدار مذكرات توقيف دولية، أو استبعاد المتورطين من أي دور سياسي أو عسكري في المستقبل، لكنها – بحسب تعبيره – “لن تكون ذات جدوى إن لم تُنفذ فعلياً من قبل بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي“.
من جانبه، أكد المحلل السياسي الليبي حمد الخراز أن اجتماع برلين الأخير يأتي في إطار حشد الدعم لخطة جديدة تقودها المبعوثة الأممية هانا تيتيه، والتي يُنتظر أن تُعرض على مجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الجاري، بهدف اعتمادها كخارطة طريق جديدة تنهي حالة الانسداد.
ورجّح الخراز أن تحمل هذه الخطة تغييرات جذرية في إدارة الملف الليبي، قد تصل إلى تجاوز المؤسسات الحالية، مثل مجلسي النواب والدولة، لصالح هيئة سياسية جديدة تتولى قيادة المرحلة الانتقالية. لكنّه نبّه إلى أن “مثل هذه التحركات قد تُقابل داخلياً برفض شديد، وقد تُفسر كمحاولة لتهميش الإرادة الوطنية“.
وتزامن هذا التصعيد الدبلوماسي مع تدهور أمني لافت في طرابلس، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين تشكيلات مسلحة محلية، في ظل غياب واضح لأي سلطة مركزية قادرة على فرض الاستقرار، ما يُنذر بمزيد من الانزلاق نحو الفوضى المسلحة.
وتُظهر تطورات الأيام الماضية أن الانقسام بين حكومتي الغرب والشرق – الأولى بقيادة عبدالحميد الدبيبة، والثانية المعيّنة من البرلمان برئاسة أسامة حماد – لم يعد سياسياً فقط، بل يتغذى على الأرض من خلال اصطفافات مسلحة وأجندات خارجية متضاربة.
وبينما يترقّب الليبيون والمجتمع الدولي ما ستؤول إليه الجهود الأممية في الأسابيع المقبلة، تُطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة مجلس الأمن على فرض عقوبات فعالة، خصوصاً في ظل وجود قوى إقليمية مؤثرة تدعم أطرافاً متصارعة داخل ليبيا.
ويبدو أن البلاد مقبلة على مفترق طرق حاسم: فإما أن تنجح المساعي الدولية في فرض خارطة طريق ملزمة تمهّد لانتخابات شاملة، أو أن تستمر حالة الانقسام، وسط فوضى السلاح وتضاؤل الثقة في الحلول السياسية.
__________________