
تُمثل الأزمة الليبية المستمرة، بتشابك أطرافها الداخلية وتضارب المصالح الدولية حولها، اختبارًا قاسيًا لفعالية القرارات الأممية المتعلقة بحظر توريد الأسلحة، فمنذ فرض هذا الحظر في العام 2011، ظلت خروقاته تشكل تحديًا مستمرًا يهدد بتقويض أي جهود لتحقيق الاستقرار.
ويشير سياسيون إلى أن الإصرار على تجاهل الحظر الدولي، خاصة من قبل قوات خليفة حفتر، يكشف عن ديناميكية معقدة تغذي النزاع وتُعرقل مساعي السلام، وتُسلط الضوء على ازدواجية المعايير الدولية تجاه الأزمة.
وفي سياق الخروقات الحديثة، كشفت تقارير صحافية حديثة عن وصول أربع مروحيات هجومية من طراز «غازيل» إلى مدينة بنغازي، في خرق صريح وواضح للقرار الأممي.
هذه المروحيات، التي غادرت من جنوب أفريقيا، مرت بالأردن قبل أن تصل إلى ليبيا عبر طائرات شحن من طراز «إيل-76» تابعة لشركة «ترانسافيا إكسبورت» البيلاروسية.
وعلى الرغم من أن المروحيات كانت قد أُزيلت منها الأسلحة سابقًا، فإنها خضعت لتعديلات في جنوب أفريقيا، حيث تم تزويدها بالدروع وأسلحة رشاشة، مما أعادها إلى حالة شبه قتالية.
هذا التحويل غير القانوني للأسلحة، الذي يتطلب عادةً تصاريح حكومية صارمة وشهادات للمستخدم النهائي وفقًا لقانون مراقبة الأسلحة التقليدية في جنوب أفريقيا (NCACA)، يثير تساؤلات جدية حول مدى الرقابة على الصادرات العسكرية وتورط أطراف دولية في تغذية الصراع الليبي.
وقد أدى هذا الكشف إلى انتقادات واسعة داخل جنوب أفريقيا، حيث طالب حزب «التحالف الديمقراطي» المعارض بفتح تحقيق شفاف ومراجعة شاملة لعمليات تصدير الأسلحة، ما يدل على حجم التحدي الذي تواجهه الدول في فرض رقابة فعّالة على تجارة الأسلحة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمناطق نزاع تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية.
ولم يقتصر خرق الحظر على الطرق الجوية، بل شمل الطرق البحرية في عمليات تهريب واسعة النطاق. ففي آب/أغسطس الماضي، اعترض الحرس المدني الإسباني في ميناء سبتة عشر سفن عسكرية، بما في ذلك زوارق دورية، كانت متجهة إلى بنغازي.
هذه السفن، التي تم تشييدها في دبي، كانت موجهة تحديدًا للقوات التابعة لـ»القيادة العامة»، ويُشير التكتم الإسباني على الحادثة إلى حساسية الموقف وتفضيل مدريد تجنب أي توتر مع سلطات شرق ليبيا.
الأكثر إثارة للقلق هو أن جميع القوارب المعترضة كانت تحمل الرمز «TBZ»، وهو اختصار «لواء طارق بن زياد» الذي يقوده صدام حفتر.
هذا اللواء، الذي تتهمه الأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد المهاجرين، هو في الوقت ذاته الوحدة التي يعهد إليها الاتحاد الأوروبي بجزء من مسؤولية مراقبة مسارات الهجرة، ما يبرز التناقض الصارخ وازدواجية المعايير التي تحكم التعامل الأوروبي مع الملف الليبي.
فبينما تسعى الدول الأوروبية للحد من تدفق المهاجرين، تبدو غير مبالية بالانتهاك المتكرر للحظر الذي يخدم مصالح بعضها بشكل غير مباشر من خلال دعم الأطراف التي تعدها شريكًا في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وقد جاء هذا الاعتراض بعد أيام قليلة من توقيف سفينة تجارية أخرى، وهي «Lila Mumbai»، في ميناء سبتة للاشتباه في حملها زورقين لأغراض عسكرية وكانت في طريقها إلى بنغازي، ما يؤكد أن منطقة مضيق جبل طارق أصبحت مسارًا حيويًا لتهريب العتاد العسكري.
يأتي ذلك في ظل تجديد مجلس الأمن الدولي للتدابير المتعلقة بتنفيذ حظر السلاح لعام إضافي، مع إقرار استثناءات محدودة تهدف إلى تيسير المساعدة الإنسانية وتعزيز عملية إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية. ولكن حتى هذه الاستثناءات لم تمنع دولاً فاعلة من استغلال الثغرات في القرارات الأممية لتعزيز نفوذها.
وكشفت وثائق مسربة تابعة لمهمة «إيريني» البحرية للاتحاد الأوروبي، أن روسيا تستخدم سفنًا ضمن ما يوصف بـ»أسطول الظل» لنقل معدات عسكرية وأسلحة إلى ميناء طبرق في شرق ليبيا. هذه السفن، التي تُعمد إلى تعطيل أجهزة التتبع المتصلة بالأقمار الصناعية وتغيير أسمائها بشكل متكرر، تُشير إلى استراتيجية روسية أوسع لإظهار القوة في البحر المتوسط.
وتوضح هذه التطورات مدى تعقيد مهمة تطبيق الحظر الأممي على ليبيا، والصعوبات التي تواجهها القوى الدولية في مراقبة حركة الملاحة البحرية، خاصة في ظل تداخل مصالح الدول وتضاربها بين الرغبة في الحد من الهجرة غير الشرعية وهاجس التعامل مع النفوذ الإقليمي، ما يضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك ويهدد بتعميق الانقسام واستدامة الصراع.
اعتراض إسبانيا لسفن عسكرية متجهة إلى بنغازي يفضح تعقيدات خرق حظر الأسلحة وتناقضات سياسات الهجرة الأوروبية
تكشف حادثة اعتراض الحرس المدني الإسباني لعشر سفن عسكرية كانت متجهة إلى مدينة بنغازي الليبية في ميناء سبتة، خلال آب/ أغسطس الماضي، عن تعقيدات خرق حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ العام 2011، والمفارقات الأوروبية في التعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية.
وقد جاء هذا التطور الأخير، الذي كشفت عنه تقارير للصحافة الفرنسية والإيطالية، ليضع الضوء مجددًا على الدور المتناقض لبعض الأطراف في دعم طرفي النزاع الليبي، بالتزامن مع سعي الاتحاد الأوروبي للحد من تدفق المهاجرين.
وقد استولى الحرس المدني الإسباني على السفن، بما في ذلك زوارق دورية، تطبيقًا للحظر الأممي، وذلك وفقًا لما نقلته الإذاعة الفرنسية الحكومية، اليوم الإثنين، عن الجرائد الإيطالية.
وأشارت التقارير إلى أن السفن، التي جرى تشييدها في أحواض بناء السفن في دبي، كانت موجهة للقوات التابعة لـ»القيادة العامة» بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بهدف استخدامها في السيطرة على طرق الهجرة في البحر الأبيض المتوسط.
اللافت في الأمر أن جميع القوارب المعترضة في سبتة كانت تحمل الرمز «TBZ»، وهو اختصار «لواء طارق بن زياد» الذي يقوده صدام حفتر، نجل المشير خليفة حفتر، وهي الوحدة التي تتهمها الأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد المهاجرين، وفي الوقت ذاته هي الوحدة التي يعهد إليها الاتحاد الأوروبي بجزء من مسؤولية مراقبة مسارات الهجرة، ما يسلط الضوء على ازدواجية المعايير.
وترى الإذاعة الفرنسية أن هذا الاعتراض «يظل استثنائيًا للغاية، فبينما تقوم الإمارات العربية المتحدة بتسليم المعدات العسكرية إلى ليبيا بانتظام، فإن الغالبية العظمى منها تصل إلى متلقيها دون حوادث»، مؤكدة أن هذا الانتهاك المتكرر للحصار يخدم بشكل غير مباشر مصالح العديد من الدول الأوروبية الحريصة على الحد من مغادرة المهاجرين إلى شواطئها.
ولم تصدر السلطات الإسبانية أو الاتحاد الأوروبي أي تعليق رسمي على واقعة اعتراض السفن حتى الآن، وأكدت مصادر دبلوماسية للجريدة الإيطالية أن مدريد فضلت التكتم على الحادثة لتجنب أي توتر مع سلطات شرق ليبيا.
وتأتي هذه الواقعة بعد أيام قليلة من توقيف السلطات الإسبانية في أواخر أغسطس الماضي سفينة تجارية أخرى تحمل اسم «Lila Mumbai»، وتبحر تحت علم ليبيريا، في ميناء سبتة، للاشتباه في حملها زورقين يستخدمان لأغراض عسكرية وكانت في طريقها إلى بنغازي.
وأفادت جريدة «إلفارو» الإسبانية بأن تفتيش السفينة تم في إطار الإجراءات المشددة لمراقبة السفن العابرة لمضيق جبل طارق والمتجهة نحو مناطق النزاع، وقد باشرت وحدات متخصصة من الحرس المدني الإسباني عمليات تفتيش دقيقة للسفينة بعدما اتضح أن مسارها يتجه نحو نقطة على السواحل الليبية، ما استدعى التدخل «بالنظر إلى التزامات مدريد بالقرارات الأممية والأوروبية» التي تفرض حظرًا صارمًا على نقل العتاد العسكري إلى ليبيا.
وتندرج هذه العملية في سياق «رقابة أوروبية متزايدة» على حركة الملاحة البحرية، خاصة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كثفت الدول الأوروبية من إجراءات تعقب السفن المشتبه بها.
خلفية هذه الاعتراضات تأتي في ظل تجديد مجلس الأمن الدولي في الأول من يونيو الماضي التدابير المتعلقة بتنفيذ حظر السلاح المفروض على ليبيا لعام إضافي، ولا سيما التفويض الممنوح للدول الأعضاء لتفتيش السفن في المياه الدولية قبالة سواحل ليبيا المشتبه في أنها تنتهك القرارات الأممية.
وفي أوائل العام الجاري، أقر مجلس الأمن استثناءات محدودة على حظر الأسلحة، حظيت بموافقة 14 عضوًا وامتناع روسيا عن التصويت، حيث شملت هذه الاستثناءات الطائرات والسفن القادمة للمساعدة الإنسانية.
وتضمن القرار أيضًا فقرة جديدة تستثني الطائرات العسكرية أو السفن البحرية التي تدخلها دولة عضو مؤقتًا إلى ليبيا لغرض وحيد هو تيسير الأنشطة المستثناة أو غير المشمولة بالحظر، بما في ذلك المساعدة الإنسانية.
كما أقر القرار استثناءً جديدًا ينص على أن الحظر لا يسري على المساعدة التقنية أو التدريب الذي تقدمه الدول الأعضاء إلى قوات الأمن الليبية والمقصود به فقط تعزيز عملية إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية، وذلك تلبية لطلب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لتسهيل التنسيق وتبادل المعلومات بين قوات الأمن الليبية.
وفي سياق متصل، كانت وثائق مسربة تابعة لمهمة «إيريني» البحرية للاتحاد الأوروبي قد كشفت في مارس الماضي أن روسيا تستخدم سفنًا ضمن ما يوصف بـ»أسطول الظل» لنقل معدات عسكرية وأسلحة إلى ميناء طبرق في شرق ليبيا.
وفصلت الوثائق وصول سفينة تحمل اسم «بارباروس»، تحمل علم الكاميرون، إلى ليبيا بعد عبورها مضيق البوسفور التركي، مشيرة إلى أن السفينة قد غيرت اسمها 12 مرة خلال عشر سنوات تقريبًا وكانت تعمد إلى تعطيل جهاز التتبع المتصل بالأقمار الصناعية، ما أبرز مخاوف أوروبية متنامية بشأن النفوذ الروسي في شرق ليبيا، الذي يُعتقد أنه جزء من استراتيجية روسية أوسع لإظهار القوة في البحر المتوسط.
وكانت سفينة «بارباروس» قد عبرت مضيق البوسفور التركي في أبريل من العام الماضي، قادمة من روسيا ومتجهة إلى ميناء طبرق، حيث تمكن خبير في النشاط البحري من رصد حمولتها التي تضمنت «شاحنات تستخدم عادة في المهمات العسكرية، جرى تصنيعها بواسطة شركة روسية خاضعة للعقوبات».
وتوضح هذه الخلفيات مدى تعقيد مهمة تطبيق حظر الأسلحة الأممي على ليبيا، والصعوبات التي تواجهها القوى الدولية في مراقبة حركة الملاحة البحرية، خاصة في المناطق الحيوية كمضيق جبل طارق، في ظل تداخل مصالح الدول وتضاربها بين الرغبة في الحد من الهجرة والتعامل مع النفوذ الإقليمي.
____________