عصام الياسري

تهاون الحكومة في حماية الدولة وثرواتها ليس مجرد خطأ إداري، بل هو إخلال بالعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم.

الحكومة، أي حكومة بمفهومها التاريخي، كونها الراعية لمصالح الدولة، أي دولة، من مهامها الأساسية كما يُفترض: الحفاظ على ممتلكات الدولة وصيانة ثرواتها الطبيعية وحماية عقاراتها وأراضيها. كل ذلك يشكل عاملًا مهمًا في بعث التوازن الاقتصادي الوطني وتدويره لتنمية موارد الدولة المالية والبنيوية.

من المنظور التاريخي والسياسي، تُعدّ الحكومة أياً كان شكلها، السلطةَ التنفيذية والإدارية التي تتولى إدارة شؤون الدولة وحماية مصالحها العامة، ونحن لا نتحدث هنا عن الحكومة العميلةفي العصور الوسطى أو الحكومة الشموليةفي القرن العشرين، بل عن المفاهيم الحديثة لشكل الحكومة: ملكية، جمهورية، ديمقراطية، أو مركزية.

ومن بين أهم وظائفها الأساسية فعلاً:

حماية ممتلكات الدولة: أي صيانة البنى التحتية والممتلكات العامة كالمباني الحكومية، والموانئ، والطرق، والمرافق العامة.

إدارة الثروات الطبيعية: مثل النفط، والمياه، والمعادن، والغابات، بما يضمن استدامتها للأجيال القادمة.

حماية الأراضي والعقارات العامة: عبر وضع أنظمة وقوانين تمنع التعدي أو الاستغلال غير المشروع لها.

هذه الالتزامات المستوجبة لا تسهم فقط في تحقيق التوازن الاقتصادي الوطني من خلال السياسات المالية والتنموية والضريبية، بل تعمل أيضًا على حفظ الاستقرار وتوزيع الموارد بعدالة نسبية. كما تؤدي إلى صون السيادة والأمن القومي لحماية الدولة من أي تهديد داخلي أو خارجي يمسّ وجودها أو مصالحها.

بعبارة أخرى، الحكومة تاريخيًا ليست مجرد سلطة تُدير شؤون الناس، بل جهة راعية للأرض والثروة والسيادة، وهي المسؤولة عن التوفيق بين المصلحة العامة والنمو الاقتصادي في إطار العدالة الاجتماعية.

فكيف يمكن المحافظة على هذا الدور التاريخي للدولة الحديثة؟

وماذا ينبغي القيام به إذا تهاونت الحكومة في مثل هذه الأمور؟

سؤالٌ عميق يلامس جوهر العلاقة بين الدولة والمجتمع.

فعندما تتهاون الحكومة في أداء واجباتها الأساسية، كحماية ممتلكات الدولة أو صون الثروات العامة أو الحفاظ على التوازن الاقتصادي، فإنّ ذلك يُعدّ خللًا بنيويًا في وظيفة الدولة نفسها، لأن هذه المهام تمثل أساس شرعيتها وسبب وجودها.

وفي هذه الحالة، يمكن أن تحدث عدة مستويات من التصحيح أو المواجهة، بحسب طبيعة النظام السياسي ومستوى الوعي الشعبي.

في الأنظمة الديمقراطية أو تلك التي تمتلك فصلًا حقيقيًا بين السلطات، يمكن للبرلمان أو القضاء أو هيئات الرقابة محاسبة الحكومة على التقصير أو الفساد. فهذه الآليات تضمن أن الحكومة ليست فوق القانون، وأن الدولة قادرة على تصحيح نفسها من الداخل.

أما في حال غياب الرقابة الفعالة، يصبح دور المجتمع المدني والإعلام والرأي العام حاسمًا في كشف أوجه التقصير والضغط من أجل الإصلاح.

ويُظهر التاريخ أن الشعوب التي تطالب بحقوقها بوعي وسلمية هي التي تُرغم الحكومات على تصحيح المسار.

وفي حالات استثنائية، عندما تتعرض الدولة ومصالح مجتمعاتها لخطرٍ حقيقي، تكون المراجعة الدستورية أو السياسية ضرورة لإعادة هيكلة الحكومة أو إجراء إصلاحات جوهرية تعيد توزيع الصلاحيات وتضمن حماية الثروات العامة.

يحدث ذلك عادةً في مراحل التحول الكبرى أو بعد أزمات سياسية واقتصادية حادة، حيث تصبح المساءلة التاريخية والأخلاقية ضرورة وطنية.

فإن لم تحدث محاسبة فورية، فإنّ التاريخ لا يَرحم؛ فالحكومات التي تهدر الثروات أو تفرّط في الأراضي تُسجَّل كأمثلة على الفشل أو الخيانة الوطنيةومن جهة أخرى، فإن الشعوب الواعية تحفظ ذاكرتها وتتعلم من تجاربها.

باختصار، تهاون الحكومة في حماية الدولة وثرواتها ليس مجرد خطأ إداري، بل هو إخلال بالعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم. وإذا غابت آليات التصحيح الرسمية، فإن الوعي الشعبي والمؤسسي يصبح خط الدفاع الأخير عن المصلحة الوطنية، ووسيلة لإجبار الحكومة على الخضوع للقانون.

____________

مقالات مشابهة