42 في المئة يفضلون إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، بينما اختار 23 في المئة مقترح حل المؤسسات القائمة وتشكيل هيئة تنفيذية جديدة.
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مساء الأحد عن نتائج استطلاع رأي واسع النطاق حول العملية السياسية في البلاد، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى إشراك الشعب الليبي في صياغة مستقبله السياسي.
وجاء هذا الاستطلاع الشامل، الذي استمر لشهرين وشارك فيه أكثر من 22 الف ليبي، كخطوة محورية في جهود الأمم المتحدة لصياغة خارطة طريق سياسية جديدة، وذلك بعد أن جرى الخميس إغلاق الاستطلاع الإلكتروني الذي تضمن مقترحات اللجنة الاستشارية، ستُستخدم نتائجه كأداة رئيسية لتحديد مسار العملية السياسية، حيث من المقرر أن تُعلن البعثة عن هذه الخارطة خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي في 21 أغسطس الجاري.
ويعكس هذا المسعى الأممي رغبة في الخروج من دائرة الجمود السياسي التي استمرت لعقد من الزمان، وذلك بالاستماع مباشرة إلى نبض الشارع الليبي وتطلعاته نحو دولة مدنية حديثة.
ومنذ سقوط نظام القذافي في عام 2011، شهدت ليبيا حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما أدى إلى انقسام المؤسسات وتنافس الحكومات.
وعلى مدار السنوات الماضية، فشلت الجهود الدولية في تحقيق مصالحة شاملة أو إقامة انتخابات حرة ونزيهة، وتفاقمت الأزمة بتدخلات خارجية وتنازع فصائل مسلحة على النفوذ والثروات، مما أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وفي ظل هذا الجمود، أصبحت العملية السياسية رهينة للخلافات بين الأطراف المتنافسة، مما جعل من الضروري البحث عن حلول جديدة تمنح الشعب الليبي فرصة للتعبير عن إرادته.
من هذا المنطلق، بادرت بعثة الأمم المتحدة بإطلاق استطلاع رأي فريد من نوعه، داعية الليبيين للتعبير عن آرائهم بشأن أربعة خيارات مقترحة من لجنة استشارية متخصصة، وهو مسعى يهدف إلى صياغة حل سياسي ينبع من إرادة الشعب الليبي نفسه، ليصبح الاستطلاع بمثابة بوصلة وطنية تضمن أن يكون المستقبل السياسي لبلادهم “ليبيا بامتياز“.
وقالت البعثة في بيان إنها “ستستخدم البيانات، إلى جانب آراء 3.881 شخصا إضافيا، جُمعت من خلال استطلاعات هاتفية ومشاورات حضورية وعبر الإنترنت، لوضع خارطة الطريق السياسية الجديدة، التي سيتم الإعلان عنها خلال إحاطة مجلس الأمن يوم الخميس المقبل الموافق 21 أغسطس“.
ورأت الممثلة الخاصة للأمين العام رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هانا تيتيه أنه “كان من الضروري الاستماع إلى أكبر عدد ممكن من الآراء، ومن مختلف شرائح المجتمع“، مضيفة أن خارطة الطريق التي تُيسّرها البعثة في الواقع تسعى لعملية سياسية يقودها الليبيون ويملكونها.
وتهدف البعثة، من خلال خارطة الطريق الجديدة هذه، إلى الاستجابة لرغبات عموم الليبيين المُعبّر عنها لتسهيل انتقال سياسي سلمي يأخذ في الاعتبار الواقع السياسي والأمني للبلاد.
كشفت نتائج استطلاع البعثة عن تفضيلات واضحة للشعب الليبي فيما يتعلق بالمسار السياسي المستقبلي، فبحسب البعثة “أشار 42 في المئة من المشاركين إلى أن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة وفي أقرب وقت ممكن هو السبيل المُفضّل لديهم لكسر الجمود السياسي المُستمر في البلاد منذ عقد” في إشارة إلى المقترح الأول للجنة الاستشارية“، وهو توجه يعكس رغبة شعبية عارمة في إنهاء المرحلة الانتقالية الطويلة وإرساء شرعية ديمقراطية جديدة من خلال صناديق الاقتراع.
وجاء المقترح الرابع للجنة الاستشارية، الخيار التالي الأكثر تفضيلا بنسبة 23 في المئة من الأصوات، وينصّ على حل المؤسسات القائمة وعقد منتدى حوار لتعيين هيئة تنفيذية جديدة واختيار جمعية تأسيسية من 60 عضوًا، تُقرّ دستورًا موقتا وقوانين انتخابية للانتخابات الوطنية.
ويعكس هذا الخيار حالة من عدم الثقة في المؤسسات الحالية ورغبة في بناء أسس جديدة للدولة. أما الخيار الثالث، والذي يفضل الانتهاء من الدستور قبل تنظيم أي انتخابات، فقد حظي بنسبة 17 في المئة من المشاركين، وهذا يدل على وجود تيار يرى أن وجود إطار دستوري ثابت هو الأساس لأي عملية سياسية ناجحة.
وأكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن الاستطلاع شمل أشخاصًا من كل مناطق ليبيا. وبمشاركة الشباب والنساء والمكونات الثقافية والأشخاص ذوي الإعاقة. بالإضافة إلى أنها تشاورت مع 2.481 شخصًا من خلال اجتماعات حضورية وعبر الإنترنت، مع مجموعة من قيادات المجتمع المحلي وممثلي المجتمع المدني والنقابات والشباب والنساء ومجموعات أخرى.
وبالمقارنة مع الاستطلاع عبر الإنترنت، قالت البعثة إن المشاركين في هذه المشاورات أعربوا عن دعم أكبر لحل المؤسسات وعقد منتدى للحوار السياسي.
وتعد الاستطلاعات عبر الإنترنت أقل دقة من الأساليب البحثية الأخرى، وذلك لعدة أسباب، من بينها، ألا تكون العينة المستخدمة ممثلة بشكل كامل للمجتمع المستهدف، وصعوبة التحقق من هوية المشاركين ومصداقيتهم، وعدم التحكم في ظروف إجراء الاستبيان، ما يؤثر سلبًا على إجابات المشاركين ويؤدي إلى الحصول على بيانات غير دقيقة.
وفي استطلاع هاتفي شمل 1.400 شخص، قالت البعثة إن أعضاء هذه الفئة “جرى اختيارهم عشوائيًا“، مبينة أنه “لم يسمع 95 في المئة منهم باللجنة الاستشارية أو مقترحاتها – مالوا أكثر إلى نهج يُعطي الأولوية للدستور؛ وفي المجمل، شارك 26.465 شخصًا بآرائهم للبعثة” وفق البيان.
ونقلت البعثة الأممية عن أحد المشاركين في الاستطلاع قوله “يجب على البعثة الوقوف بحزم إلى جانب الشعب الليبي.
نحن أمة مسالمة ونرحب بالجميع، لكن ما يطلبه الشعب هو ما يجب على البعثة دعمه“، مضيفا “لقد سئمنا من الفوضى والانقسام وحان الوقت لبناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية تحكمها سيادة القانون، وتُحترم فيها الحقوق والحريات“.
وشكرت تيتيه جميع من ساهم في مشاركة آرائهم، وقالت “إن التزامكم ببناء ليبيا أقوى –رغم التحديات العديدة– أمرٌ جدير بالإعجاب، وتتطلع البعثة إلى مواصلة الحوار المفتوح مع تقدم خارطة الطريق، إن أصواتكم لا تُقدر بثمن“.
يُشكل هذا الاستطلاع الذي أجرته بعثة الأممية منعطفا إيجابيا، إذ يمنح الشعب الليبي فرصة حقيقية للمساهمة في رسم ملامح مستقبله السياسي. ورغم التحديات المنهجية التي واجهت عملية جمع البيانات، إلا أنها تظل مرجعا لا غنى عنه لصياغة خارطة طريق جديدة.
والآن، تقع على عاتق البعثة مسؤولية ترجمة هذه الآمال الشعبية العارمة إلى خطوات عملية وملموسة، لتكون بداية فعلية لإنهاء الصراع وعودة الاستقرار، وتضع ليبيا على مسار الحل السياسي الشامل الذي ينبع من إرادتها ويملكه أبناؤها.
________________