أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تنظيم لقاء عبر الإنترنت مخصص للشباب الليبيين يوم غد الخميس، ضمن برنامج “الشباب يشارك“، في إطار مساعيها لتوسيع المشاركة المجتمعية في خريطة الطريق السياسية التي عرضتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الأحد الماضي.
ويأتي هذا اللقاء المزمع فيما تواصل تيتيه عقد اجتماعات مع الأطراف الليبية، إذ التقت أمس الثلاثاء لجنة خريطة الطريق التابعة للمجلس الأعلى للدولة، وناقشت معها تفاصيل “الحوار المهيكل” الذي وصفته البعثة، في بيان لها اليوم الأربعاء، بأنه “منبر لجميع الليبيين” لمناقشة “القضايا الوطنية الهامة“، بهدف “صياغة مستقبل ليبيا، علاوة على ضمان أن تصل أصواتهم إلى قادة البلاد والمجتمع الدولي“.
ووفقاً للبعثة الأممية، فإن “الحوار المهيكل” يمثل منصة تشاورية واسعة، تهدف إلى إشراك كل مكونات المجتمع الليبي في مناقشة قضايا كبرى، مثل شكل الدولة وتوزيع الثروات والمصالحة، عبر محاور محددة تشمل الاقتصاد والأمن والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، وصولاً إلى رؤية وطنية مشتركة تمهد للانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة، غير أن هذه التحركات تجري وسط غموض يلف الجدول الزمني لتنفيذ الخريطة، إذ لم تحدد البعثة بعد تواريخ واضحة رغم مرور شهر على إعلانها.
وكانت تيتيه قد أشارت أمام مجلس الأمن إلى إطار زمني عام يراوح بين 12 و18 شهراً لإنجاز خريطة الطريقة التي ذكرت أنها تستند الى ثلاث خطوات، هي إعداد إطار انتخابي قانوني، وتوحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة جديدة وموحدة، وإطلاق “حوار مهيكل” يتيح مشاركة واسعة لمختلف مكونات المجتمع الليبي.
ونشرت البعثة عدة تدوينات على منصاتها الإلكترونية، بداية من سبتمبر الحالي، أوضحت خلالها أن الخريطة لا تتضمن مواعيد ملزمة، لافتة الى أن المضي فيها مرهون بتوفر الإرادة السياسية، بحيث يتيح نجاح كل مرحلة الانتقال إلى التالية، وصولاً إلى الانتخابات الوطنية.
وفي وقت تتصاعد فيه المطالب في الأوساط الليبية ببدء تنفيذ خريطة الطريق عبر إزاحة جميع الأجسام السياسية الحالية بالاستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض تغيير يتجاوز عقبات الأجسام الحالية، أكدت البعثة أن ولايتها تستند إلى الفصل السادس الذي يركز على التسويات السلمية، وأنها لا تملك سلطة فرض أو إقالة الحكومات، بينما يقتصر تطبيق الفصل السابع في ليبيا على ملفات محدودة مثل حظر السلاح وتجميد الأصول.
وفي منشورات أخرى أعلنت البعثة وأشارت إلى أنها ستطلع مجلس الأمن على التقدم المحرز كل شهرين، وأنها “لن تتردد في تسمية المعرقلين والمطالبة بمحاسبتهم“، في إشارة إلى وجود عراقيل تعترض طريق تفعيلها لخريطتها.
وكانت تيتيه قد شرعت منذ مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي في سلسلة لقاءات لتأمين قبول خريطتها، إذ اجتمعت مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في الثالث من الشهر الجاري، قبل الاجتماع مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر في السابع من ذات الشهر، فيما ينتظر أن تلتقي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، في مسعى لتوفير أرضية مشتركة للعمل على الخطة.
وخلال إحاطتها في مجلس الأمن التي عرضت فيها خريطة الطريق، أوضحت تيتيه أن إعداد الإطار الانتخابي القانوني في غضون شهرين سيكون شرطاً أساسياً للتوجه نحو تشكيل حكومة موحدة، لكنها لم توضح موقع “الحوار المهيكل” ضمن مسارات الخريطة، وإذا ما كان سيجري بالتوازي أو بعد استكمال الإطار القانوني وتشكيل الحكومة.
وفي ضوء عدم إعلان لجنة “6+6” المشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمكلفة إعداد القوانين الانتخابية، أي خطوات بشأن إعداد الإطار القانوني الانتخابي، حتى الآن، يزيد ذهاب البعثة إلى الدفع بمسار “الحوار المهيكل” دون إعلان الترتيب الزمني لمراحل خريطة الطريق من الغموض المحيط بها.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أحمد الفايدي أن “الغموض الذي يحيط بالجدول الزمني للخريطة ليس مجرد نتيجة لبطء البعثة في تفعيل خطواتها، بل يعكس تشابك العوامل الداخلية والإقليمية والدولية التي تجعل من أي محاولة لوضع تواريخ دقيقة ضرباً من التسرع“.
ويوضح الفايدي خلال حديث مع “العربي الجديد“، أن الانخراط الأميركي الأخير في الملف الليبي، من خلال مستشار الرئيس دونالد ترامب، مسعد بولس، الذي وصل إلى حد الإشراف على تنسيق لقاء جمع في روما أبرز فاعلين في معسكري البلاد، إبراهيم الدبيبة، المستشار الأمني لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، وصدام حفتر، نائب والده في القيادة العامة، يمثل مؤشراً على رغبة واشنطن في إعادة ضبط مسار الأزمة وفق رؤيتها الخاصة، في مقابل مسارعة موسكو إظهار حضورها باستقبالها خالد حفتر، النجل الثاني للواء حفتر، في موسكو بعد لقاء روما مباشرة.
ويعتبر الفايدي اللقاءين مؤشراً يعكس مستوى جديداً من التنافس الأميركي الروسي “سيؤثر حتماً بمسار الحل السياسي“.
وعقب لقاء روما بين إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر، أفادت مصادر مطلعة من طرابلس وبنغازي في تصريحات سابقة لـ“العربي الجديد“، بأن اللقاء جاء في إطار رؤية أميركية ترمي إلى دمج حكومتي طرابلس وبنغازي في سلطة موحدة مع ضمان استقلال المؤسسات الاقتصادية، مشيرة إلى أن اللقاء بين الطرفين جرى بطبيعة استكشافية تمهيدية لبحث صيغة تشمل دمج وزارات أساسية بالحكومتين.
ويرى الفايدي أن “التزاحم الدولي، إلى جانب الخلافات الليبية الداخلية، يفسر حالة التريث لدى البعثة الأممية، فهي في انتظار أن تتضح ملامح الرؤية الدولية المتشابكة قبل المضي في أي خطوات عملية“، معتبراً أيضاً أن هذه التطورات تتقاطع مع مستجدات إقليمية، أبرزها الجدل المتصاعد بين ليبيا وتركيا واليونان بشأن الاتفاق البحري الموقع بين أنقرة وطرابلس حول ترسيم الحدود البحرية واستغلال الغاز في شرق المتوسط، ما يضع ليبيا –بحسب تصوره– في قلب صراع أوسع على الموارد والتحالفات البحرية.
ويؤكد أن هذا الصراع يجعل من الصعب على البعثة وضع جدول زمني واضح، في ظل استمرار إعادة رسم خرائط النفوذ على شواطئ المتوسط، مضيفاً: “هذه التداخلات الخارجية لا يمكن فصلها عن الواقع الليبي الداخلي، فهي تعوق مباشرةً أي إمكانية لتحديد مواعيد دقيقة لتنفيذ الخطة الأممية“.
في المقابل، يرى الباحث السياسي عيسى اهمومه، أن الغموض المحيط بخريطة الطريق الأممية “ليس سوى انعكاس لفشل متكرر في مقاربة الأزمة الليبية“، معتبراً أن ما أعلنته تيتيه لا يتجاوز إطار “المبادرة العامة” في ظل غياب المراحل الملزمة والجداول الزمنية الواضحة، الأمر الذي يجعلها عرضة للتجميد مع كل تطور جديد، بحسب قوله.
ويلفت اهمومه في حديثه لـ“العربي الجديد“، إلى أن “الخطة لم يصدر حيالها أي صدى يذكر في الداخل الليبي، لا بالرفض ولا بالقبول، وهو ما يعكس شعوراً متزايداً بالإحباط من المبادرات الأممية التي تتوالى من دون نتائج ملموسة، كذلك يفسر لجوء البعثة إلى المنشورات عبر منصاتها الرقمية للجواب عن أسئلة لم تعلن مصدرها أو طبيعة الجهات التي طرحتها“.
ويرى اهمومه أن البعثة لا تزال بعيدة عن إدراك حقيقة التغيرات العميقة التي شهدتها البلاد أخيراً، لافتاً إلى أن حكومة الوحدة الوطنية عززت حضورها العسكري في طرابلس عبر تقليص نفوذ جهاز الردع، آخر الكيانات المسلحة الكبيرة التي لم تخضع لها بالكامل، ما جعل ميزان القوة في عاصمة البلاد لصالح عبد الحميد الدبيبة، في مقابل تشديد خليفة حفتر قبضته على الشرق والجنوب عبر منح أبنائه مواقع قيادية حساسة، إذ تولى صدام موقع نائب القائد العام، وخالد منصب رئيس الأركان، فيما صار بلقاسم رئيساً لجهاز صندوق الإعمار، وهو ما حوّل معسكر حفتر من “قوة عسكرية إلى شبه كيان سياسي واقتصادي“.
ويعتبر أن تحرك البعثة في وسطها للذهاب إلى تفعيل “الحوار المهيكل“، “يعني أنها لا تدرك حجمها وتأثيراتها الطارئة بموازين القوة، ما يجعل الحديث عن الحوار أو قوانين انتخابية توافقية أو حكومة موحدة، أو أي مرحلة في خريطة الطريق، أمراً بعيداً عن الواقع، لأن القوى المسيطرة على الأرض لن تقبل بأي مسار يهدد نفوذها“.
ويخلص اهمومه إلى أن التغيير عبر أي خريطة أممية يبقى غير ذي جدوى، وأن مراحلها المعلنة “ليست سوى شكليات سرعان ما تنهار أمام منطق القوة الذي يحكم الساحة الليبية اليوم“.
______________