إن استخدام الحوار لبناء توافق الآراء، يتحدث عن المسؤولية المشتركة للأحزاب السياسية من أجل حل المشاكل التي تؤثر على مصالحها المشتركة. ومع ذلك، يمكن القول بشكل عام، إن القدرة أو الرغبة في التوصل إلى اتفاق عام أو إجماع غير متوفرة بصورة تلقائية بني جميع الاطراف السياسية الفاعلة.

ويتفق معظم ميسري الحوارات أن نجاح أو فشل الحوار، غالباً ما يتحقق من خلال بناء التوافق في الآراء، كما أن المخاوف والتوقعات العالية أو عدم الثقة، تعتبر كلها عوامل كامنة ومؤثرة خلال تلك المرحلة.

وبالتالي، فإن بناء التوافق في الآراء قد يكون من الصعب تحقيقه، وهناك حاجة إلى اتباع منهج دقيق لتنظيم المناقشات في تلك المرحلة. وإذا لم يتم تحديد وإدارة عملية الحوار بشكل جيد، فإنها ستؤدي ببساطة إلى جمود سياسي بدلاً من الحلول للمشاكل. وفي بعض الحالات، تستطيع الأحزاب فقط تسوية النزاع أو التوصل إلى اتفاق من خلال تقديم تنازلات.

كام يمكن لميسري الحوار لعب دور هام في خلق بيئة تشعر فيها الأحزاب بأنها تشجعهم على البحث عن توافق في الآراء، إن لزم الأمر، وإظهار أنهم على استعداد لتقديم تنازلات. وعلى وجه الخصوص، فإنه يمكنهم العمل هيكلة جلسات الحوار وجدول أعمال الاجتماع بطريقة توفر فرصاًملائمة للأحزاب من أجل التوافق تدريجياً.

من الحوار إلى توافق في الآراء

يعتبر الحوار وسيلة لتمكين المداولات واتخاذ القرارات، فضلاً عن كونه بمثابة عمليات وساطة وتفاوض. وهذا يعني، أنه حتى عندما يتم إحضار الأحزاب السياسية، جنباً إلى جنب مع وجود هدف واضح لهم من وراء الحوار، فمن السهل في واقع الأمر تجاوز حدود الحوار وتناول مسائل أخرى.

وهذه ليست مشكلة، طالما بقي ميسري الحوار على بينة من الديناميكيات الكامنة في داخل الحوار، ويدركون نوعية المحادثات التي تنخرط الأحزاب فيها في أوقات معينة: مثلاً، هل هم في عملية حوار، أم تفاوض، أم في مداولات، أم اتخاذ قرارات، أم في استخدام مزيج من بعض أو كل هذه في المراحل؟

ويرتبط الحوار في الغالب بالتبادل المفتوح للمعلومات، وتبادل مختلف القصص ووجهات النظر، واستكشاف مواقف الأطراف الأخرى. ويستخدم الحوار عادة لتعزيز الاحترام والتفاهم المشترك. وتميل مرحلة اتخاذ القرارات إلى الذهاب لخطوة أبعد، من خلال وضع التركيز على إمعان النظر، ووزن الخيارات المختلفة المطلوبة لاتخاذ بعض القرارات (التي قد تكون صعبة في بعض الأحيان).

كما تتركز عمليات التفاوض والوساطة، بشكل عام، على إيجاد حلول لمشاكل محددة، والحصول على موافقة الأطراف لضرورة التوصل إلى اتفاق حول القضايا الخلافية وتسوية الصراعات.

وكل هذه العمليات مترابطة مع بعضها البعض عن قرب، وقد تتدفق المفاوضات والمداولات وتصب في الحوار والعكس بالعكس، وهذا يتوقف على الوضع التي تجد الأحزاب نفسها فيه.

وعلى الرغم من وجود العديد من الاختلافات النظرية، فإنه على أرض الممارسة تحصل هناك في كثير من الأحيان تداخلات لا مفر منها، وتعتبر ضرورية للوصول إلى نتائج وبناء توافق في الآراء.

وإذا كان من المطلوب للحوار أن يكون ناجحاً، فإنه في كثير من الحالات، ينبغي أن يكون متأصلا في صلب كل حوار أن يتطور إلى مرحلة لاحقة من المداولات والمفاوضات واتخاذ القرارات.

تجنب البت في القضايا من خلال التصويت

يتم البت في اتخاذ القرارات بمختلف الأشكال والنماذج: يمكن اتخاذ القرار من قبل سلطة واحدة أو من قبل مجموعة، من خلال التصويت أو عن طريق الإجماع

و في حالة استهداف تحقيق التوافق، فإن نقطة الانطلاق الأساسية لجميع الاطراف الفاعلة المتحلقة حول مائدة الحوار، تتمثل في ضرورة إدراك أن طريقة اتخاذ القرار في أجواء الحوار تختلف عن طريقة صنع القرار في البرلمان.

والعامل الحاسم في هذا الشأن، هو الطريق الذي تسلكه الأحزاب للتوصل إلى اتفاق كمجموعة، بدلاً من نقاط القوة الخاصة بكل منها (مبعنى عدد المقاعد المطلوبة لتمرير مشروع قانون ما).

وهذا يعني أيضا أنه، على عكس البرلمانات، فإنه ينبغي في منابر الحوار المحاولة بصورة عامة، تجنب استخدام نظام التصويت بقدر المستطاع.

ومع ذلك، في بعض الحالات، كما هو الحال عند الحاجة إلى اتخاذ قرارات ذات مساس بمسائل الحوكمة (مثل، الموافقة على التقارير السنوية أو الحسابات المالية)، فإن التصويت قد يكون ضرورياً. وعندما تشارك مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية في الحوار، فإن التصويت قد يستخدم كوسيلة لقياس مستوى موافقة الأحزاب على المقترحات المدرجة قيد المناقشة في الحوار.

:وعند النظر في عملية تصويت، فإن ميسر الحوار قد يـواجـه باثنين من الخيارات.

الأول، هو السماح بتصويت الأحزاب وفقاً لقوتها الفردية في البرلمان، وهذا من شأنه أن يجعل الحزب أو التحالف الحاكم أقوى من الأحزاب الصغيرة.

والخيار الثاني، هو اعتماد مبدأ حزب واحد، صوت واحد، مما يمنح أصغر حزب قوة بقدر قوة حزب الأغلبية. وفي التصويت بموجب السيناريو الأول، فإن ذلك قد يؤدي إلى شعور الأحزاب الصغرى بـأنـهـا ملغاة ومغلوبة على أمرها (بطريقة مماثلة كما هو الحال في البرلمان)، بينما في السيناريو الثاني، فإن الـحـزب الـحـاكـم في السلطة قد ينتهي به الأمر إلى الشعور بالتهميش.

وتعمل كل طريقة تصويت من هاتين الطريقتين على خلـق تـوتـرات لا داعي لها، وتعيد استنساخ ذلك النوع من النـقـاش الـعـدايئ لذي يحصل عادة تحت قبة البرلمان.

ومن بين إحدى الطرق لوصف صنع القرار في عملية حوار، وتجنب الازدواجية في القواعد البرلمانية، هي البيان بصراحة وبالتوافق مع جميع الأحزاب بأن أي قرار يتعين أن يتم اتخاذه بالتوافق في الآراء حوله، أو العمل على وصف الظروف المحددة التي ستجري بموجبها عملية التصويت.

ومن المهم أيضا، التأكيد للأحزاب المشاركة في الحوار أن وضع الربح لكل الأطرافالذي ينتج عادة من مبادرات الحوار هو أفضل من وضع الفائز الأول يحوز على كل شيء، والذي يعتبر بمثابة السمة المعتادة في عمليات التصويت.

استيعاب وجهات نظر جميع الأطراف في الحوار

ليس من المرجح أن تسفر كل عملية حوار عن توافق في الآراء، ما لم يقر كل حزب بإسهامه في النتيجة. وبالتالي، فإن إحدى المسؤوليات الرئيسة المترتبة على عاتق ميسر الحوار هي التأكد من أن جميع وجهات النظر حول الطاولة يمكن استيعابها وتوفيقها.

ويمكن لميسر الحوار تحديد وتقديم مختلف الخيارات المتاحة للأحزاب المتحاورة، في حني أنه يتعني على ممثلي الأحزاب المشاِركة التشاور مع أحزابهم، والاتفاق على النواحي التي قد تشتمل على حلول وسط ممكنة.

ويمكن اعتبار عملية التسوية بأنها أعلى مستوى من الأخذ والعطاء، وقد تكون هذه في بعض الأحيان عملية صعبة ومؤلمة للمعنيين. وعلى هذا النحو، فإن بناء التوافق في الآراء ليس مجرد عملية تقنية، وإنما هو أيضا حالة ذهنية سياسية وشخصية معاً.

وقد تحتاج الأحزاب السياسية لتشجيعها على الانفتاح والاستماع إلى بعضها البعض، واستخدام مهاراتها في التواصل، والتشاور، والسعي إلى التوافق، وعند الضرورة، للتحلي بالشجاعة لتقديم تنازلات وقبول التسويات. وحتى لو كانت بعض الأحزاب في حاجة إلى إقناع بالمشاركة في الحوار، فإنه لا يجوز أبداً أن تكون مضطرة للتواجد في وضع قد تجد فيه نفسها أنها غير مرتاحة للحديث عنه أو التحاور فيه.

وبالنسبة للأحزاب، فإن الحل النهائي والأمثل، يتمثل في أن أي اتفاق يعتبر بمثابة ملكية جماعية“. وحتى عندما يكون الحل لمشكلة ما واضحاً لدى ميسر الحوار، فإنه يتعين أن يعمل الحوار على إعطاء النتيجة في وتيرة ملائمة، بحيث يتم قبولها وتبنيها من قبل جميع الجهات المشاركة.

وبالنسبة لميسري الحوار، فإن هذا قد يتطلب الصبر: وإذا لم يتمكن ميسر الحوار من حل المشكلة على الفور، فإن عليه مناقشة ذلك في المرة القادمة. ويتطلب بناء التوافق في الآراء الانفتاح لقبول التنوع في الآراء، كام يحتاج للوصول إلى مستوى معين من النضج.

ويستطيع ميسر الحوار المساعدة في خلق الأساس المنطقي والمسوغات التي يقوم عليها الإجماع وعملية التسوية؛ من خلال توفير المعرفة الحقيقية والمعلومات الصحيحة بشأن الخيارات المتاحة أمام مختلف الأطراف الحزبية.

_______________________

المصدرحـوار الأحـزاب السياسيةدليل ُميسر الحوار

International IDEA / NIMD / The Oslo Center

مقالات مشابهة