القبيلة إن دخلت في أمر ما فهي تدخله ككلّ أو تخرج منه ككلّوعلى هذا المنوال تجري إعادة إنتاج التعصببشكل أكثر حداثة.

وهذا ما تطلبه بعض الجماعات الحديثة من أفرادها حين لا تتيح أي مساحة معتبرة داخلها.

المطلوب من أفراد القبيلة تقدير كل موقف تتخذه القبيلة فربما سايروا منطق الجماعة، وربما تخلوا عنه، وهذا موقف لا ينسجم مع العصبية القبلية التي تتعاضد في الخطأ والصواب.

عندما تتجذر ثقافة التعصب القبلي في المجتمع، يصبح الفرد مضطرا إلى مسايرة رأي القبيلة والتضامن معها كي لا يجد نفسه مبعدا وغير معترف به.

العصبية القبلية تشترط على الفرد وضع مصلحة القبيلة وجلب المنافع لها أولوية، فمنطق القبيلة هو المنطق الجمعيوالفرد فيها لا يتمتع بكيانه الشخصي إلا داخل الولاء والعصبية. وهنا تتحدد هوية الشخص، لا بـ من أنت؟بل بـ أبن من أنتأو أنت لمن؟بل أن الشخص في الجتمع القبلي لا يُعرف باسمه، بل بانتسابه لقبيلة أو عشيرة معينة.

المجتمع القبلي أحيانا يتألف من طوائف أو إثنيات متعددة، تتباين في خلفياتها وجذورها التاريخية، وكل واحدة منها لها سردية اجتماعية وذاكرة تاريخية مختلفة عن الأخرى، وليس من المستبعد أن يكون لها نظرة مستقبليةخاصة بها، وبالتالي يعاني المجتمع والدولة من صعوبة بناء هوية المواطنة“.

الوجود الحتمي للقبيلة ولد هويات فرعية ملازما للهوية الوطنية، ووجودا ثقافيا ملازما للثقافة الوطنية الجامعة. هكذا هي القبيلة دوما دولة داخل الدولة لا يمكن فكها وتجاهلها.

قيمة القوةلدى القبيلة متجذرة فيها، وهي تتعامل مع القبائل والقوى الأخرى عبر هذه القوة القبلية. وفي مرحلة الانتقال الديمقراطي تظهر هذه القوة في التنافس والمواجهة بين الثقافة القبلية التقليدية، وثقافة الدولة الوطنية الحديثة.

في مراحل التغيير والثورات والمراحل الانتقالية، تسعى القبيلة للصمود كبنية اجتماعية، وتحاول التكيف مع الوضع الجديد وتسخر قوتها وأدواتها لخدمة بقائها

عبر استخدام السياسة، والصراع على النفوذ السياسي من أجل تبوء مركز قوة في ضمن الأطراف القوية عسكريا وأمنيا وسياسيا .

في مراحل التحول الديمقراطي، الصراع بين النخب السياسية قد يغذي التنافس والصراع بين القبائل، والعكس صحيح. وذلك ما يؤكد التوظيف المفرط للقبيلة في العملية السياسية، وعمق الرابطة المصلحيةبين هذه الكيانات النخبوية.

هذه الرابطة بين النخبة الحاكمة والقبيلة، ظلت ولا تزال حاضرة بقوة في العملية السياسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي.

هذا الاستخدام والتوظيف للقبيلة لا يتحقق إلا بعاملين رئيسيين:

أولا، بحرص القبائل على نفوذها السياسي والإداري.

وثانيا، بقابلية القبائل للإستغلال السياسي.

الممارسة السياسية في المجتمع العربي، قد تتحول بطريقة تلقائية، إلى تكريس الطائفية والقبلية حين تحاول النخب السياسيةاستغلال هذين البعدين، وتتواطأ مع القبيلة. والمهم إدراك هذا البعد عند التفكير في التحول السياسي في المجتمعات العربية.

إذا كان ثمة إيجابيات للقبيلة في المجتمع العربي، فلابد من أن تصرف في بعدها الاجتماعي.

أما العملية السياسية فلابد أن يتم تجريدها من البعد القبلي، ولابد من عملية تفتيت لكيان القبيلة سياسيا،

إن انخراط القبيلة في العملية السياسية هو عامل سلبي، فالممارسة السياسية السليمة لا تتيح مساحة ممكنة للقبيلة كـ قبيلة، أي ككيان واحد يترابط عبر شكله التقليدي المعروف الذي لا يتلاءم والممارسة السياسية الحديثة.

كما أن بنية القبيلة نفسها لا تسمح بالتفاعل السياسي السليم، والفرد إذا نُظر إليه من خلال القبيلة، لا يمكن إلا أن يكون مستخدما. ولا يمكن أن يجسد تلك الوحدة الرئيسة الفاعلة التي يستند إليها المجتمع المدني.

هكذا نجد أن القبيلة التي كانت حاضنة طبيعية للأفراد طوال تاريخها، نحت إلى أن تصبح مستخدمة لهم بحسب الوضع السياسي، فمنطق القبيلة القديم لا يزال فاعلا، وهو منطق القوة والبحث عن المكانة.

_____________

المصدر: مقتطفات من دراسات حول القبيلة والديمقراطية” المنشورة على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مقالات مشابهة