ترجمة: بهاء الدين جلال
مشاركة المواطنين و دور الاحزاب السياسية
تلعب الاحزاب السياسية، سواء الحاكمة منها أو المعارضة دوراً مهماً في عملية بناء الديمقراطية ويترك كل واحد منها تأثيره الخاص على نظام الحكم، وايجابيات النظام الديمقراطي تتجسد و تنعكس في تلك النقطة التي تكمن في مسؤولية جميع الاحزاب في اختلاف النظام السياسي و في مستوى نمو وتطور العملية الديمقراطية.
وحول هذا الجانب يشير البروفسور باتريك ايم ريغان في بحثه بعنوان (الديمقراطية، التهديد و القمع السياسي في البلدان النامية) الى أن معظم المرات تظهر في البلدان النامية قوى غير ديمقراطية أو تعادي الديمقراطية تتحجج على الاحزاب الحاكمة بأسم المعارضة و ترفع العديد من المطالب لا تتفق مع الواقع الحالي لتلك البلدان.
وفي الدول التي لم ترسي بعد دعائم مؤسساتها الديمقراطية بعد والثقافة الديمقراطية فيها ليست على مايرام، فإن تلك القوى غير الديمقراطية تسعى الى اضعاف المؤسسات و إجهاض انظمتها شبه الديمقراطية عن طريق مطالبها.
وحول هذا الجانب سألنا البروفسور دمير كروبيشا استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ريبيكا في كرواتيا، حيث تحدث لـ (كولان) قائلاً:
“الديمقراطية، وهي حكم الشعب ومن قبل الشعب ومن أجل الشعب، تنمو وتتطور في ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة، أي ان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية هي التي تحدد النموذج والصيغة الديمقراطية التي تنمو في بلد معين“
“وكما أن هناك اعترافاً عالمياً بحقوق الانسان كذلك اصبحت الديمقراطية قيمة عالمية بنفس الشكل، ولكن الديمقراطية تنمو وتتطور في بيئة معينة، وهي التي تحدد نوع و نموذج الديمقراطية في ذلك المجتمع، ومن هنا علينا أن نعلم هذه الحقيقة وهي أنه لايوجد اي نظام ديمقراطي في العالم يخلو من النواقص والخلل“
وكان تشرشل يقول: من بين كل الانظمة السياسية التى أوجدتها البشرية فإن” مساوىء الديمقراطية هي الأقل، والامور غير المنطقية الموجودة في الديمقراطية كثيرة ولكن علينا اتخاذ الحيطة والحذر ازائها، ومن بينها الحصول على الدعم عن طريق إثارة شعور الجماهير“
ـ الشعوبية والنفاق السياسي هي عبارة عن الثغرة بين القول والفعل،
ـ والتلاعب السياسي، هو استخدام الوسائل السياسية من اجل تشويه الديمقراطية وتحقيق مصالح مجموعة معينة،
ـ والفساد السياسي الذي يعني سوء الاستفادة من السلطة من أجل مكاسب شخصية، أو مكاسب مجموعة والحصول على امتيازات لاتستحقها،
ـ واثارة الخوف والقلق السياسي لا أساس لها، أي استخدام الرعب من الاعداء في الداخل والخارج من أجل تحديد الديمقراطية،
ـ وختاماً، العنف المستخدم يكون شفهياً ( التصريحات والحديث الجارح)، أو النفسي أو حتى الجسدي، وهذا ينتهي بظهور متفرد أو دكتاتور يتغطى بالقناع الديمقراطي”.
البروفسور دمير وهو أحد مستشاري الرئيس الكرواتي عمل ميدانيأً في العمليات الديمقراطية الحديثة ويتمتع بتجربة مميزة في هذا المجال، وقد سألناه حول أهمية دور الأحزاب السياسية وما تلعبه من هذا الدور في بناء الديمقراطية؟
وكان جوابه في هذا المنحى:
“تلعب الاحزاب السياسية دوراً مهماً في الديمقراطية، حيث بدون اعتدال تلك الاحزاب فإن التعددية السياسية غير ممكنة، ومع هذا، الديمقراطية تعني الانفتاح، الشفافية والمسؤولية، في كثيرمن الاحيان تلجأ النخب السياسية الى التلاعب السياسي، لتحميل الاخرين عواقب الاخطاء السياسية كالفساد والوسائل الاخرى، لذا يجب على المجتمع تطوير كل الاساليب الديمقراطية، ولايكتفي بوجود ممثلية له، أو وجود ديمقراطية برلمانية كما كانت في الماضي، أو كما هي في الخطوات الاولية للمرحلة الانتقالية، بل يجب أن تتضمن الديمقراطية المباشرة، والديمقراطية المشاركة (التي تعني مشاركة عموم المواطنين في حكم المجتمع).
ومن هذا المنطلق يجب أن لايتم اختصار الديمقراطية على عدة أشكال حكومية محدودة، بل بأمكان استبدال مفهوم الحكومة الى الحكم، وهذا يضم احتمالاً بأنه من حق وواجب عموم المواطنين المشاركة في القرارات المتعلقة بشؤون المجتمع، وهذا يعني المزيد من تطبيق آلية ايقاف السلطات ضمن حدودها ومراقبتها.
المزيد من الشفافية، والانفتاح وفي مقدمته المشاركة السياسية، فينبغي على كل المجتمعات تطوير الثقافة الديمقراطية التي تراعي العادات والتقاليد الثقافية، والدينية والسياسية للمجتمع. كما يجب تجاوز فكرة الفرض التي لها جذور وتتخذ اشكالاً وصيغاَ مختلفة”.
وحول المسألة ذاتها و أهمية الاحزاب السياسية توجهنا بسؤال الى البروفسور ماكارتان همفريس استاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا والمتخصص في دراسات ستراتيجية التطوير،حيث كان جوابه لـ (كولان):
“وجود الاحزاب السياسية يتعلق بمسألة التوازن، ان مشكلة الاحزاب السياسية هي انها تقع بين المقترعين ونتائج السياسات، وعلى سبيل المثال من المحتمل قيام الاحزاب باجراء انتخاب ممثليات منطقة معينة، او قيام حزب قوي باستمالة سير التصويت الى جهته حتى ولو كانت للمقترعين مطالب مخالفة، وهذه هي المشكلة.
وهناك جانب مثالي حول الديمقراطية المباشرة حيث يشارك المقترع مباشرة في عملية صنع القرارات دون تمثيله من قبل الاحزاب، او هي عملية ينتخب فيها المقترعون نواب مستقلين، بالرغم من أنه من الناحية الواقعية يمكن أن تكون مشكلة تنظيم السياسة التي يتم اتباعها في غياب الاحزاب السياسية اكبر من فوائدها.
فالاحزاب السياسية تؤدي دوراً مهماَ في تنظيم المجموعات التي لها مصالح مشتركة وكذلك في تنسيق الستراتيجيات..الخ.
اذن الاحزاب مهمة جداَ، حتى لو حاولت منعها، فأنه من المحتمل أن تتشكل، وهل من الضروري أن تقوم الاحزاب السياسية ببناء المؤسسات؟ بالتأكيد عليها المشاركة، ولكن بناء المؤسسات لاتعتمد فقط على الاحزاب السياسية، ولكي تبني المؤسسات موقعاً من اجل منافسة الاحزاب السياسية فيما بينها، عليها المشاركة الواسعة معها”.
ان هذه الآراء تصب في الانتقادات الشديدة من أداء الاحزاب السياسية وفي الوقت ذاته لايمكن لأحد أن يُهمّش دور تلك الاحزاب، ولكن السؤال الآخر هنا هو: كيف يمكن توازن مشاركة المواطنين مع اسلوب ممثلي الاحزاب؟
وحول هذا الجانب يقول البروفسور رايان سالزمان في اطار حديثه لـ (كولان): “يجب اتخاذ اجراءات بشأن المناطق التي لاتسمح ثقافاتها بالمشاركة ومن ثم تغييرها، في حين هناك مناطق أخرى تمتلك ديمقراطية متطورة، ونجد تغييرات عدة وهي مشجعة، وعلى سبيل المثال، ما نلاحظه في الدول ما بعد الشيوعية، أو المشاركة الواسعة للمرأة في شؤون المجتمع في دول امريكا اللاتينية، بحيث نرى احياناً الرجال يثقون بالمرأة أكثر من ثقتهم بالرجال، وعندما يتم ترشيح احدى النساء، يؤثر ذلك في تغيير نظرة المجتمع، لأنهم يتذكرون كيف يتم احترام امهاتهم واخواتهم وجداتهم و يعبّر ذلك عن حبهم لهن.
لذا فإنهم مسستعدون أن يكنّوا لهن نفس الاحترام كما في الحياة الاعتيادية، بالتأكيد فإن هذه مسألة ثقافية يتغير من بلد الى آخر. وبنفس الشكل الاحزاب تلعب أيضاً دوراً مهماً.
دور الاحزاب السياسية هو دور مركزي و رئيس في تطوير الديمقراطية، لعدة أسباب، احداها هو أنه من الصعب جداً بناء مؤسسات الدولة عن طريق أخذ آراء الافراد في أي دولة بغض النظر عن أو كثرة عدد سكانها، ولهذا يتطلب وجود شكل من أشكال الممثليات للتعاون من أجل بناء مؤسسات الدولة.
أن الاحزاب السياسية في الكثير من الديمقراطيات النامية حديثاً أو في الشعوب النامية هي في الأصل امتداد لمجموعات في المجتمع، وعلى سبيل المثال، ولأن الاحزاب السياسية في المجتمع التي تمثّل تلك المجموعات الموجودة، والتي تثق بالأحزاب، بحيث تتمكن من ملء الثغرات الديمقراطية في حين لاوجود للديمقراطية، وذلك بسبب شكل من التمثيل المتجسد في الاحزاب،
ولذلك عندما نتأمل تجارب الدول الاخرى، نجد انه في الواقع تم اللجوء الى الديمقراطية في المساعي المبذولة لحل الخلافات، والهدف من هذا الحل هو العمل من أجل مشاركة الجانبين في بناء تلك المؤسسات، في الوقت الذي ظهرت فيه الاحزاب السياسية من جراء تلك الخلافات معاً.
اذن في معرض ردنا على سؤالكم حول اهمية الاحزاب السياسية، نستطيع القول أن الاحزاب السياسية هي امتداد للأطراف المتنازعة، أملنا هو أن تُجري تلك الاحزاب الحوار فيما بينها، وكذلك المشاركة الفاعلة في بناء المؤسسات السياسية، لكي تتمكن من تمثيل الشعب، وفي الوقت ذاته الالتزام بتلك المؤسسات السياسية”.
ولكن مايثير أحياناً أشكالية في العلاقات بين المواطنين والاحزاب السياسية هو ضعف ثقة المواطنين بتلك الاحزاب، وبصدد هذا الجانب يتطرق البروفسور بيتر مايكل سانشيز في اطار حديثه لـ (كولان) الى أن:
“هذه هي مشكلة عموم الانظمة السياسية، سواء كانت أنظمة ديمقراطية أم لا، هذا الامر حدث في الاتحاد السوفيتي حيث لم يثق المواطن بالنظام الجديد، في الحقيقة، هناك اختلاف كبير بين دول امريكا اللاتينية بشأن مستوى وجود الثقة بين مواطني تلك الدول و بين احزابها وانظمتها السياسية، ونجد في بعض الدول مستوى الثقة منخفض، وعلى العكس في بعض آخر حيث مستوى عال من الثقة بين المواطنين والاحزاب و الانظمة السياسية، حتى يصل المستوى الى أعلى بكثير مما هو موجود في الولايات المتحدة الامريكية، وكذلك (كوستاريكا).
لذا فإن وجهات نظركم ليست صحيحة حول انعدام الثقة بين المواطنين والاحزاب والانظمة السياسية في دول امريكا اللاتينية، صحيح أن هناك مستوى ضعيف لدى بعضها ولكن نجدها في غيرها عالية جداً، والحل الرئيس أمام الانظمة السياسية من أجل بناء الثقة بين المواطنين عبارة عن نظام سياسي مشروع و عادل و مؤثر، حتى لو كان ديمقراطياً أم لا، وبلاشك فإن مشكلة دول أمريكا اللاتينية والدول مابعد الشيوعية والدول الاسلامية هي أن حكوماتها لاتعمل بالكامل من أجل المواطنين وتلبية مطاليبهم”.
________________