2. انعدام الاستقرار المؤسساتي: سلطة الجماعات المسلحة على الميدان
في 26 أغسطس/أوت 2020، فرض “المجلس الرئاسي” التابع لحكومة الوفاق الوطني حظر تجوّل لأربعة أيام، متذرّعًا بتفشي فيروس “كورونا”. وقام بمد حظر التجول 10 أيام في 30 أغسطس/أوت 2020، وحظر التجول في الخارج من الساعة 9 مساًء حتى 6 صباحًا، وهو ما فسره المتظاهرين انه محاولةً لمنعهم من التظاهر وقد تجاهلوه في الغالب.
رغم ما سبق، تواصلت المظاهرات الشعبية في بنغازي، وقد تم على إثرها إيقاف الناشط “ربيع العربي”، الذي أكد أصدقاءه إنهم فقدوا الاتصال به، منذ مشاركته في مظاهرة “جمعة إنقاذ ليبيا من الفساد والمفسدين” التي دعا إليها شباب من نشطاء بنغازي. وقال أحد شهود واقعة الاعتقال، أن أشخاصًا نزلوا من سيارة سوداء معتمة الزجاج ودون لوحات، واتجهوا نحو الناشط ربيع العربي، وتحدثوا معه، قبل أن يقتادوه إلى السيارة، ومنها إلى جهة غير معلومة.
وأضاف الناشطون أن وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة منحت منظمي المظاهرة تصريحًا يسمح لهم بالتظاهر، إلا أنهم فوجئوا عند وصولهم ساحة التظاهر بسيارات عسكرية وأخرى دون لوحات وعناصر عسكرية وأمنية تنتشر في المكان، وأن بعض الأشخاص المحتمين بتلك العناصر حاولوا استفزاز المتظاهرين، هاتفةً بحياة القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.
تعتبر أجهزة أمن تابعة لقوات القيادة العامة في الشرق، من بينها جهاز مكافحة الظواهر السلبية وجهاز مكافحة الإرهاب، المؤلف من عناصر المداخلة المسلحين، المسؤول عن إطلاق حملة اعتقالات واسعة في أكثر من مدينة، على رأسها بنغازي، خلال فترة المظاهرات. فيما لواء النواصي وقوات الردع غربي ليبيا المسؤولة الأولى عن قمع المتظاهرين. فقد أفاد شهود عيان أن كتيبة النواصي قد أرسلت سيارات مسلحة الى طريق الشط بطرابلس ولاحقت المتظاهرين.
رغم أن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج قد أعلن عن تنسيقه مع مكتب النائب العام للإطلاق الفوري لسراح كل من لم يتورط في أعمال تخريب للممتلكات العامة والخاصة. كما أعلن حينها الرئاسي في بيان له اتخاذه الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق في أي تجاوزات وقعت ضد المتظاهرين وأي إصابات نتجت عن ذلك. ورغم إعلان المدعي العام عن توقيف متهمين بالاعتداء على المتظاهرين، إلا أنه لم يتم الإعلان عن هوياتهم أو مجريات التحقيق ومآلاتها في شأنهم. الأمر الذي يتطلب من السلط القضائية الحرص على الابتعاد عن التسييس والخضوع لضغط الجماعات المسلحة لفرض قوة القانون.
3. المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء:
قالت مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان إن خفر السواحل الليبي (التابع لفائز السراج) واصل انتهاك حقوق المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط. وأوضحت المفوضية، أن “خفر السواحل” يواصل إعادة القوارب إلى الشواطئ من حيث انطلقت، واعتقال المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في مرافق احتجاز تعسفي حيث يواجهون ظروفًا مروّعة، بما في ذلك التعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي، وانعدام الرعاية الصحية وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
وأشارت المفوضية إلى أن هذه المرافق المكتظة معرّضة من دون أدنى شكّ لخطر تفشي كوفيد-19 على أوسع نطاق ممكن، داعية إلى وقف جميع عمليّات اعتراض القوارب وإعادتها إلى ليبيا، مجددة التأكيد على ضرورة امتثال الدول دوما لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين. وأعرب المتحدّث باسم المفوضية روبرت كولفيل، في إحاطة من جنيف، عن قلق شديد إزاء التقارير التي تفيد بأن السلطات المالطية طلبت من السفن التجارية دفع القوارب، التي تحمل مهاجرين منكوبين، إلى أعماق البحار.
وأعربت المفوضية أيضًا عن القلق من أن سفن البحث والإنقاذ الإنسانية، التي عادة ما تجوب منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط، مُنِعَت من دعم المهاجرين المنكوبين، في وقت ارتفعت فيه أعداد مَن يحاولون القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، من ليبيا إلى أوروبا.
وفي 15 أبريل 2020، قالت المفوضية إن بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا تحقّقت من إعادة سفينة على متنها 51 مهاجرًا وطالب لجوء، بينهم 8 نساء و3 أطفال، إلى ليبيا على متن قارب مالطي خاص بعد أن انتشلتهم من المياه المالطية.
وقد أرسلت السلطات الليبية المهاجرين إلى سجن السكّة، وخلال الأيام الستة التي قضوها في البحر، لقي خمسة أشخاص مصرعهم وفُقِد سبعة آخرون ويفترض أنهم غرقوا. كما أشارت المفوضية إلى ادعاءات تفيد بأنّ مراكز تنسيق الإنقاذ البحري المعنية لم تردّ على نداءات الاستغاثة التي وصلتها أو أنّها تجاهلتها.
رغم التر اجع النسبي لعمليات الهجرة بسبب جائحة الكورونا، استأنفت عصابات التهريب نشاطها انطلاقًا من السواحل الليبية. وأوضح تقرير وكالة “بلومبيرغ” أن ما يقارب 900 مهاجر غير شرعي انطلقوا من الشواطئ الليبية في الفترة من 14 إلى 28 مايو/ماي 2020، قاصدين سواحل أوروبا وتم اعتراض 679 منهم وإعادتهم إلى ليبيا بينما استطاع الباقون الإفلات والوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
ومنذ اندلاع أزمة كورونا علّقت معظم سفن الإنقاذ الإنسانية، مثل “أوشن فايكنغ” و”سي ووتش”، أنشطة إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط. كما أدت إجراءات مكافحة الجائحة إلى إغلاق الحدود والمطارات في مختلف دول العالم، ما دفع مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة إلى تعليق كافة رحلات إعادة التوطين. لكن بعد أشهر وخلال شهر يونيو/ جوان 2020، استأنفت هذه المنظمات نشاطها الإنساني.
جاءت فترة التراجع النسبي إلى حدود شهر أبريل بعد ارتفاع كبير مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة.
في أكبر حصيلة غرق مهاجرين قابلة السواحل الليبية، فقد 45 شخصًا، بينهم أطفال، أثناء محاولتهم الهرب من ليبيا، انطلق حوالي 82 مهاجرًا على متن قارب باتجاه السواحل الأوروبية انفجر محرك القارب فانقلب المركب، تاركًا وراءه 45 غريقًا على الأقل بينهم 5 أطفال.
قبل وقوع الكارثة، مجموعة “هاتف الإنذار” كانت قد تلقت إنذارا بإبحار قارب يوم الأحد 15 أغسطس/أوت 2020، من السواحل الليبية، وأكدت في تغريدة على تويتر أنها أعلمت “جميع السلطات” المعنية بوجود مهاجرين بحاجة للمساعدة، بعدما انفجر محرك قاربهم. لكن يبدو أن نداءات المنظمات غير الحكومية لم تجد من يستمع إليها. وأضافت المنظمة بلهجة صارمة “إيطاليا ومالطا وأوروبا، إن مسؤولية غرق الناس تقع عليكم”.
وبتاريخ 15 سبتمبر 2020، أعلن خفر السواحل اليوناني، أنّ ثلاثة مهاجرين، هم امرأة وطفلان، لقوا حتفهم مساء الاثنين، حين غرق مركبهم قبالة السواحل الشرقية لجزيرة كريت، في حين تم إنقاذ 53 آخرين كانوا برفقتهم.
وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام، بغرق أو فقدان ما لا يقل عن 24 مهاجرًا إثر انقلاب قاربهم في البحر المتوسط بالقرب من ليبيا. وتوفي في هذه الحادثة 17 مهاجرًا مصريًا، احتجزت عصابات التهريب غيرهم، ويُقدر عددهم ب15 نفرًا. واشترطت العصابات الحصول على مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم.
في المقابل، يتواصل التنسيق الأمني بين ليبيا وشمال المتوسط. فقد قررت كل من مالطا وليبيا إنشاء “مركزي تنسيق” في طرابلس وفاليتا، لتعزيز سبل مواجهة الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، وستتم إقامة هذين المركزين في عاصمتي الدولتين، بتمويل من مالطا. وذلك “لتوفير الدعم الضروري لمواجهة الهجرة غير الشرعية في ليبيا والبحر المتوسط”.
رغم هذه الجهود، إلا أن الإشكالية تبقى متواصلة بخصوص مراكز احتجاز المهاجرين التي تمثل اختراقًا حقيقيًا للمنظومة القانونية والحقوقية والمؤسسية في ليبيا، حيث تستمر في الوجود مستغل شبكة العلاقات الإجتماعية والسياسية والعسكرية القائمة. وقد مثلت تهديدًا حقيقيًا للمهاجرين خلال فترة الوباء الصحي. الأمر الذي دعا أمين عام الأمم المتحدة إلى إغلاقها.
وتقدر كل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية عدد مراكز الاحتجاز الرسمية في ليبيا بأكثر من 33 مركزًا، فيما تأتي المطالبات الأممية بإغلاق مراكز احتجاز المهاجرين في وقتٍ تكافح فيه ليبيا للتصدي لجائحة كورونا بإمكانيات خجولة وقطاعٍ صحي متهالك، ما يُعرض المهاجرين وطالبي اللجوء لخطر الإصابة بالوباء بالنظر لاكتظاظ مراكز الاحتجاز وحالة التسيب وانعدام الصرف الصحي والمرافق، والافتقار لأبسط الخدمات الإنسانية والرعاية الطبية.
ومن ناحية أخرى، عاش المهاجرون وطالبو اللجوء كابوسًا مرعبًا وداميًا على مدى عامٍ كامل ممتد حتى جويلية/يوليو 2020، عندما كان القصف يطال مراكز احتجازهم وسط المواجهات بين قوات حكومة الوفاق وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
وحينها أشارت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى أن عدم نقل المحتجزين من المناطق القريبة من الأهداف العسكرية محتملة أو عدم نقل أهداف عسكرية كانت متموضعة جوار مركز احتجاز يعد جريمة حرب وانتهاكات لالتزامات القانون الدولي الداعي لاتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين من آثار الهجمات المحتملة.
وبحسب التقارير الدولية، تعود أسباب إطالة مدة احتجاز المهاجرين في مراكز الاحتجاز إلى تفاهمات تحدث بين عصابات تهريب البشر وبعض عناصر الأمن وخفر السواحل والمجموعات المسلحة، من أجل ترتيب طُرق النقل وتحديد التاريخ والعدد المطلوب وتجهيز مراكب الصيد والطوافات المطاطية اللازمة.
وقد سبق للتقرير نصف السنوي السابق لمركز دعم التحول الديمقراطي، وورقاته الخاصة بهذا الملف الى تفصيل مراكز الاحتجاز التي تخرج عن الإحصاءات الرسمية، ومساهمتها في خرق حقوق الإنسان في ليبيا.
…
يتبع
______________