عبدالمجيد الصغيّر

قوانين الانتخابات التي صدرت عن مجلس النواب لم تفتح المجال لترشح الأحزاب السياسية على نظام القائمة، ولكنها سمحت بمشاركة الأحزاب من خلال اتباع النظام الفردي وليس نظام القائمة.

ولعل المبرر المعلن عنه يتعلق بسلبيات نظام القوائم في انتخابات المؤتمر الوطني العام، كما أن هناك أسباب أخرى منها حداثة التجربة الحزبية في البلاد، والتقاليد القبلية. كل ذلك يطرح تساؤلا عن فرص الأحزاب في مقاعد الانتخابات القادمة لمجلس النواب وفي مستقبل ليبيا السياسي .

اختلفت الأراء حول تجربة الأحزاب الليبية بعد انتفاضة الشباب في فبراير، فهناك من اعتبرها تجربة جديرة بالاستمرار، وهناك من رآها مخالفة للطبيعة القبلية للبلاد، وبالتالي لم تستطع الأحزاب أن تمتلك قاعدة شعبية، دون أن يكون هناك أي محاولة لفهم الأسباب الحقيقية التي تفسر ظاهرة العزوف على الانخراط في الأحزاب القائمة.

هناك، للأسف، من يتعامل مع المجتمع الليبي على أنه كله مجتمع عشائري، قبلي، مشبع بالبداوة والتقاليد القبلية، بل هناك من يقسّم المجتمع الليبي إلى قبائل شريفة وغير شريفة، وهذا تعسف ليس له ما يبرره، وهذا التقسيم يتجاهل المجتمعات الحضرية في المدن الكبيرة، والتي كانت لها تجربة رائدة في التجربة الحزبية وفي بناء منظمات المجتمع المدني قبل انقلاب سبتمبر.

البعض ممن يريدون للمجتمع الليبي أن يبقى بدويا متخلفا غارقا في التقاليد القبلية وما تحمله معا من تغييب لثقافة المواطنة والعمل السياسي المنظم الذي يقوم على برنامج سياسي بعيدا عن الثقافة البدوية القبلية.

هذه الأفكار والتقسيمات والتعميمات تتماهي مع تجربة النظام السابق في حظر العمل الحزبي عبر شعار من تحزب خانوالمصيبة أن تلك الأفكار تصدر عن شخوص تدعي أنها ديمقراطية وتسعى لبناء الدولة المدنية الديمقراطية.. ولكنهم يتعارضون في أفكارهم مع شعار بسيط يدركه كل من له أي اهتمام بتجارب التحول الديمقراطي في العالم، والشعار هو لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين“.

إن أي مواطن يعطي أولوية مطلقة للإنتماء القبلي ويتجاهل الهوية الوطنية الجامعة، لن يكون ديمقراطيا مهما أدعى غير ذلك، لأنه يعتقد بأن انتماءه القبلي يميّزه عن بقية المواطنين الذين ينتمون لقبائل أخرى وخاصة غير الشريفة منها، بل يفضّله عنهم ولا يقبل أن يتساوى معهم في الحقوق والواجبات، خاصة أولئك الذين لا ينتمون إلى قبيلة محددة ويعيشون في المدن ويتعاملون مع الناس جميعا على انهم مواطنين متساوون.

من المبررات التي يقدمها أولئك القبليون أن أبناء القبائل الشريفة وغيرها لا يمكنهم ممارسة العمل السياسي المنظم مع آخرين قد يكونوا من قبائل في خصومة تاريخية معهم، مما يعني أن هؤلاء لا يريدون أن يتخلوا عن تلك الخصومات والنزاعات القبلية المتخلفة، والتي تعتمد ثقافة الثأر والانتقام والحلول الدموية للخلافات الاجتماعية والإدارية والسياسية.

ليكن واضحا أن الأحزاب أُنشئت أصلا لتجاوز تلك الخصومات والنزاعات القبلية وللخروج بالمجتمع من الحالة البدوية المتخلفة إلى المستقبل المتحضر في دولة مدنية ديمقراطية، وبالتالي فالعضوية في الأحزاب تعتمد على مبدأ المواطنة، بمعنى أن مواطني الدولة متساوون، وتجمعهم في الحزب أفكار سياسية متقاربة، وبرنامج سياسي متوافق عليه.

نحن نتفق مع المواطن القبلي الذي يقول بأن فكرة الأحزاب لا تنسجم مع الأوضاع القبلية للمجتمع الليبي التي يصر عليها، ولكن في سياق معكوس وهو أن العناصر القبلية هي التي لا تنسجم مع فكرة الأحزاب ولا تصلح إلى ممارسة السياسة من خلال الأحزاب وعليهم أن يبتعدوا عنها وبالتالي ليس مقبولا أن يقام أي حزب بناء على الانتماءات القبلية والطائفية والعرقية والجهوية والعائلية.

ولذلك على الاحزاب ألا تستقطب العناصر التي تصر على الثقافة القبلية المتعصبة والتي تجتر تاريخ الخلافات والنزاعات القبلية في ممارستها للعمل العام، ولذلك لايمكن أن يوجد إطار سياسي يجمع عناصر قبلية يصرون على اجترار تقاليدهم القبلية ويقحمونها في العمل السياسي المنظم.

على المجتع الليبي، إذ أراد أن يؤسس دولة مدنية ديمقراطية، أن يرفض التواجد السياسي للقبيلة والدور القبلي في السياسة وأن يحصر دورها في الأمور الاجتماعية الخاصة بمكونها العرقي فقط، على مستوى الجغرافيا وعلى مستوى الجينات.

أما بخصوص قوانين انتخاب مجلس النواب المعيبة فهي تنطلق من مبادئ الأقصاء المنبعثة من الأحقاد والمخاوف القبلية التي لن تسمح بمشاركة الأحزاب الليبية كمجموعات سياسية منظمة، وما يمكرون به ضد الأحزاب سيتم اسقاطه على الروابط والاتحادات والنقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.

الذين تبنوا قوانين الإنتخابات المعيبة يرفضون مشاركة الأحزاب عبر نظام القائمة رغم أنهم سمحوا بمشاركتهم من خلال النظام الفردي، ويبررون ذلك بسبب الانقسام الحاد الذي أنتجته انتخابات المؤتمر الوطني العام التي سمحت لمشاركة الأحزاب عبر نظام القوائم.

أقول بأن الأحزاب ينبغي أن تشارك بقوة في أي انتخابات قادمة، وعلي أعضاء الاحزاب الذين سيختارهم الناخبين، أن يدخلوا لقاعة البرلمان كأفراد ولانهم أصحاب تجربة حزبية حديثة، عليهم أن ينخرطوا في تكتلات وتحالفات تحت قبة البرلمان ليتمكنوا من التصدى للعناصر الشعبوية القبلية الذين يعملون بثقافة من تحزب خان ، ويعملون بوسائل تعود لتجربتهم تحت شعارات المنظومة الاستبدادية في المؤتمرات الأساسية والمؤتمرات الشعبية واللجان الثورية والأجهزة الأمنية، وهم ما دخلوا للبرلمان بأصوات القبيلة إلا ليكونوا إداة لـ الثورة المضادةو الدولة العميقةوهم مصرون على  العودة إلى الماضي الدموي الاستبدادي والإقصائي للتجربة الحزبية الحديثة في دولة ليبيا المدنية الديمقراطية.

________________

مقالات مشابهة