مليكة بوضياف

وفي إطار الدعم الخارجي لقوى الثورة المضادة، تلعب أمريكا وفرنسا وبريطانيا دوًرا فاعلاً في الشأن الليبي، وتبقي على تواصلها مع جميع الأطراف، لكنها لا تخفي انحيازها لقوى الثورة المضادة لتقديرها الخاطئ بامتلاك هذه القوى لأدوات الحسم، بينما يلاحظ الكثيرون أن الموقف الأوروبي ضعيف وليس له دور قوي في الأزمة رغم الأهمية الإستراتيجية لليبيا في علاقتها بهذه الدول.

في المقابل يرى الكثيرون أن الوضع الليبي يحتاج إلى حل داخلي، والذي سيكون أكثر نجاعة إذا كان مسنوًدا بمبادرة أممية من أجل فتح حوار بين أطراف الأزمة، ويرى أن هناك خيارين أمام أطراف الصراع في ليبيا:

إما النموذج التونسي، أو النموذج السوري، والحل الايجابي الذي يستطيع أن يضمن الوصول بليبيا بر الأمان هو التوصل إلى حل سياسي توافقي الذي يضمن مصالح جميع القوى السياسية المتصارعة.

إضافة إلى الإجراءات الأمنية، استعمل النظام وسائل أخرى لإفشال حركة الاحتجاجات، بما في ذلك تع‬‬‬‬بئة المؤيدين في مظاهرات موالية للنظام، وحذر القذافي زعماء القبائل من السماح للشباب بالمشاركة في الاحتجاجات وقام بجولة في البلاد سعى من خلالها إلى إظهار وجه أكثر تعاطفاً وذلك بالاستماع إلى المطالب الشعبية، لكنه حالما بدأت المظاهرات في بنغازي، فإنها انتشرت بسرعة إلى البلدات الشرقية الأخرى، بما في ذلك درنة، وطبرق والبيضاء، في حين أن عناصر الأمن والجيش في المنطقة إما هربوا أو انضموا إلى الاحتجاجات.

بعد المظاهرات الأولى في طرابلس، بدأ النظام في 22 فبراير بالتلميح إلى أن الإصلاحات السياسية كانت في الطريق وأنه سيتم رفع الرواتب

وجدت المعارضة الليبية المسلحة الدعم والسند الكامل بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية، وجميع دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مساندة تركيا ودول الخليج العربي، ودعم مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى الدعم المتردد بواسطة روسيا والصين، وعلى مستوى دول الشرق الأوسط الأخرى، فقد أبدت العديد من الدول استعدادها لدعم المجلس الوطني الانتقالي الليبي المؤقت الذي تقوده المعارضة، باستثناء الجزائر التي ما زالت أكثر تحفظا، وبالنسبة للاتحاد الإفريقي، فقد أعلن صراحة عن أن دعمه واعترافه يرتبطان حصراً بإقامة حكومة ليبية تحظى بمساندة الشعب الليبي.

وعلى المدى الطويل، فإن تصاعد الصراع الداخلي سوف يؤدي إلى تعزيز نفوذ زعماء القبائل والعشائر الليبية لجهة السيطرة على مناطقهم القبلية بما يؤدي بالضرورة إلى تحويل هذه المناطق إلى دول قبلية صغيرة متناحرة تتحالف مع بعضها البعض ضد بعضها البعض الأمر الذي سوف لن يقود سوى إلى صوملة ملف الصراع الليبي.

وكان من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يقوم المجلس الانتقالي الليبي باتخاذ أي قرارات أو إجراءات دون الحصول المسبق على موافقة مثلث واشنطن باريس لندن، وفي هذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن استمرار ذلك سوف يقضي على أي احتمالات لاستقلالية عملية صنع واتخاذ القرار السيادي الليبي، وهو أمر سوف يؤدي إلى إشعال الخلافات داخل المعارضة وإلى إثارة نقمة المجتمع الليبي.

وفي محاولة لمنع ليبيا من الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة كانت الأمم المتحدة تأمل أن تستأنف مفاوضات السلام بين الأطراف المتحاربة والمتحالفة مع حكومتين متنافستين تديران ما يصل إلى دولتين متنافستين في غرب وشرق البلاد، إحداهما في طرابلس، حيث استولى تحالف من الجماعات المسلحة من

مصراتة ومدن أخرى في غرب ليبيا، جنباً إلى جنب مع الإسلامين، على المطار والوزارات. والحكومة الأخرى موجودة في طبرق، حيث اجتمع مجلس النواب المنتخب وهي الحكومة التي يهيمن عليها أنصار حفتر وأنصار الفيدرالية، وبالتالي فإن القوات المسلحة الليبية، الرسمية منها وغير الرسمية على حد سواء، هي أساساً في حالة حرب مع بعضها البعض، حيث يحظى كل فصيل بدعم مجموعة من القبائل والمدن.

الحرب في ذلك الوقت كانت من اجل السيطرة على مرفأ السدرة النفطي على بعد 700 كيلومتر الى الشرق من طرابلس ومدى صعوبة التغلب على الشكوك والعداءات المتبادلة في بلد ت‫اﳌﺤﻮر‬‫اﻟﺜﺎﻟﺚ‪:‬‬ ‫ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ‬ ‫ﺑﻨﺎء‬ ‫اﻟﺪوﻟﺔ‬ ‫ﰲ‬ ‫ﻟﻴﺒﻴﺎ‬ ‫‪:‬ﰲ‬ ‫ﻇﻞ‬ ‫ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮﻫﺎت‬ ‫ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ‪:‬‬هيمن عليه الفصائل المسلحة ذات الولاءات المحلية، ويواجه الجانبان بعضهم البعض قرب بلدة بن جواد عبر خط أمامي تناثرت عنده قذائف الدبابات وانتشرت آثار القنابل، وهم من قاتلوا إلى جانب بعضهم البعض للإطاحة بالقذافي لكن صراعا يدور بينهم بشأن من الأحق بانتفاضة 2011.

إضافة إلى ما سبق يرى البعض أن تردي الأوضاع الأمنية والاستجابة للغة التهديد والسلاح والاقتتال بدل الحوار يعزى إلى تعاظم الانقسامات بين القوى السياسية الرئيسة والمتمثلة فيما تنعت بالتيارين «الليبرالي» و»االاسلامي».

ولان مسألة الانخراط في دائرة السلطة والنفوذ والتأثير في حركة دواليب الدولة الليبية لا ينحصر في تيار بعينه بل يتحقق عبر توافر خمس عناصر، أو ما أطلق عليها «خماسية القوة» سواء بشكل مستقل أو عبر تحالفات ظرفية مصلحية والتي

تتألف من: السلاح والمال والتوجه مهما كانت ركائزه وغاياته وأهدافه والإعلام والدعم أو التبعية للأجنبي، وحتى في ظل أفضل الظروف، فإن بناء المؤسسات السياسية والإدارية يكون صعبا.

ومما زاد التحدي بشكل كبير، هو ضعف البنية السياسية للسلطات الليبية وانعدام الأمن على نطاق واسع والدور الدولي، يقف عائق أمام بناء الدولة وكذا إشكالية الهوية لدى المجتمع الليبي وفي هذا الصدد تقول» أمل العبيدي»: أستاذة مختصة في السياسة المقارنة في جامعة بنغازي الليبية «إذا كنا نريد بناء دولة، فعندئذ يجب علينا من أجل ذلك أن ننجح في خلق هوية موحدة لليبيين والتأكيد على القواسم المشتركة بيننا وعلى هذا النحو فقط يمكننا على المدى الطويل أن نصبح دولة مستقرة وآمنة.

وفي هذا السياق يؤكد المحامي صلاح الدين طاباق إن الصراع الدائر حاليا في ليبيا سببه عدم جلوس الأطراف المتصارعة إلى طاولة الحوار والمفاوضات،

وقال إن ما يحدث منذ الثورة وحتى الآن هو أن كل طرف يحاول إقصاء الطرف الآخر، وإن الأمر يتعلق بتوجهات سياسية ومن دون الجلوس لطاولة الحوار فلن يكون هناك أي تغي˼ في المشهد السياسي الليبي.

وفي نفس السياق فان التحدي الاكبر الذي يهدد مستقبل بناء الدولة في ليبيا هو خطر التنظيم الإرهابي الذي يطلق عليه «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي دخل المشهد الأمني للبلاد واستولى على مدينة سرت الساحلية الإستراتيجية، مستغلا الفراغ السياسي.

وفي ظل كل هذه الانقسامات بسبب المطالب المتنافسة على السلطة السياسية والشرعية في بلد لا توجد فيه على أرض الواقع مؤَّسسات عاملة داخليا، وتدخل القوى الإقليمية ماهو إلا خطوة لإطالة الأزمة في ليبيا، لذا فمن الضروري إجراء مصالحة وطنية سياسية شاملة،من اجل بناء دولة المؤسسات واستعادة الاستقرار الأمني في ليبيا.

يتبع

***

مليكة بوضياف ـ دكتوراه في علوم سياسية، من كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجامعة الجزائرية

مقالات مشابهة