كريمة ناجي
“الجديد الحقيقي لا يتمثل في تغيير الحكومة بل في إعادة تعريف دورها كأداة تنفيذية محددة المهام لا كجسم سياسي بديل يعيد إنتاج الأزمة“
بهدف كسر الجمود السياسي في ليبيا، احتضنت برلين الألمانية في الـ20 من يونيو (حزيران) الجاري اجتماع لجنة المتابعة الدولية لعملية برلين بالتنسيق مع الأمم المتحدة. وفي الإطار نقلت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هنا تيتيه، لكل من رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، دعوة ليبيا للمشاركة في اجتماع اللجنة الدولية لمتابعة الشأن الليبي، موضحة أن “الاجتماع سيعقد على مستوى سفراء الدول المعنية بالملف الليبي، وسيركز على مراجعة التحديات السياسية القائمة ومتابعة توصيات اللجنة الاستشارية للبعثة الأممية في شأن المسارين الدستوري والانتخابي“.
وتؤكد تيتيه أنها أبلغت وزارة الخارجية الليبية بضرورة “إيفاد ممثل عن الدولة لحضور الاجتماع، ضمن سياق التواصل السياسي المستمر بين ليبيا وشركائها الدوليين“، وفق ما نشره الموقع الرسمي “حكومتنا” التابع لحكومة “الوحدة الوطنية“.
الخيارات الأربعة
ويأتي اجتماع برلين قبيل أيام قليلة من تقديم المبعوثة الأممية إلى ليبيا حنا تيتيه إحاطتها عن الوضع العام في ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي في الـ24 من يونيو الجاري، ومن المنتظر أن تناقش مخرجات اللجنة الاستشارية التي رعتها الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بهدف حلحلة الجمود السياسي، التي تدور حول أربعة مقترحات يأتي في مقدمها “إجراء الانتخابات في ظل حكومتين“، حيث خلصت اللجنة الاستشارية إلى أن هذا الخيار لا يحل مشكلة الانقسام القائم، بل يحدث إرباكاً بسبب تعدد القادة، ويعرض العملية الانتخابية للخطر بسبب ضعف التنسيق، ويفتقر إلى دعم تنفيذي موحد.
وترى اللجنة أن هذا الخيار يتجاهل الدور المحوري للسلطة التنفيذية في الحفاظ على الاستقرار العام واستمرارية الخدمات، وهو ما لا يمكن تحقيقه بتقسيم السلطة وعدم وجود سلطة تنفيذية واحدة.
ويتمحور التصور الثاني حول “دمج الحكومتين القائمتين عبر اتفاق سياسي“، إذ رأت اللجنة أن حكومة تضم قوى سياسية وأمنية مشتركة قد تخفف التوترات، لكنها تفتقر إلى الضمانات الكافية للحياد والاستقرار، إذ يعتمد هذا النموذج على تقاسم موقت للسلطة، مما يقوض الثقة ويخاطر بإثارة الصراع. كما أن هناك دعماً محدوداً له، وهناك ارتباك في شأن السلطات التنفيذية. لذلك، رأت اللجنة أن هذا الخيار غير مناسب لقيادة المرحلة الانتقالية ولنجاح العملية الانتخابية.
ويذهب الخيار الثالث إلى “توزيع السلطة التنفيذية بين ثلاث حكومات إقليمية مع تشكيل حكومة مركزية“، حيث يقترح هذا الخيار لا مركزية الحكم لمعالجة مسألة الثقة وعدم المساواة في السلطة التنفيذية. إلا أن اللجنة رفضته نظراً إلى الإشكاليات الدستورية التي تعترضه، فضلاً عن تداخل الصلاحيات وما ينطوي عليه من أخطار تقسيم البلاد وتقويض ثقة الشعب.
وينص التصور الرابع على “تشكيل سلطة تنفيذية/ حكومة جديدة واحدة ذات صلاحيات محددة“، وهو المخرج الذي حظي بدعم من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وقبول من طرف الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في ليبيا، باعتباره يذهب إلى تشكيل حكومة جديدة تتوافق مع القوانين الحالية وتضمن حيادية الانتخابات، ومن المتوقع أن يجري التركيز عليه في اجتماع لجنة المتابعة الدولية لعملية برلين حول ليبيا، الجمعة المقبل.
حكومة جديدة
وحول سؤال: ما الجديد الذي يمكن أن تحمله أو تأتي به المبعوثة الأممية العاشرة إلى ليبيا، بإعلان دعمها للخيار الرابع للجنة الاستشارية المتعلق بإنشاء حكومة جديدة محدودة الصلاحيات، الذي سيبحث في اجتماع برلين، الجمعة المقبل، يقول منسق مكتب الشباب بحزب “السلام والازدهار” أحمد السويحلي إلى “اندبندنت عربية“، “الجديد لا يكمن في فكرة تشكيل حكومة بحد ذاتها، بل في سياقها ووظيفتها، فاليوم يجري طرح تشكيل حكومة محدودة الصلاحيات وتوفير بيئة محايدة وآمنة تمهد لصياغة الدستور وإجراء الانتخابات من دون الانزلاق إلى مرحلة انتقالية مفتوحة من جديد“.
ويشير السويحلي إلى أن تشكيل حكومة جديدة وارد في جميع الخيارات الأربعة التي اقترحتها اللجنة الاستشارية، لكن دورها يختلف باختلاف المسار، ففي الخيار الرابع تحديداً تشكل الحكومة بصيغة موقتة وخدماتية وتعمل تحت إشراف مجلس تأسيسي بعيداً من منطق المحاصصة وتقاسم السلطة الذي ساد سابقاً، وعليه فإن الجديد الحقيقي لا يتمثل في تغيير الحكومة، بل في إعادة تعريف دورها كأداة تنفيذية محددة المهام، لا كجسم سياسي بديل يعيد إنتاج الأزمة.
مهام محددة
ويبرز المسؤول الحزبي أن اللجنة الاستشارية التي رعتها الأمم المتحدة للدعم في ليبيا دعت إلى تشكيل حكومة جديدة بمهام محددة ومدة زمنية واضحة، تقتصر بتهيئة المناخ الانتخابي وتوفير الخدمات الأساسية وضمان الأمن، من دون التورط في ملفات طويلة الأمد. موضحاً أنه يشترط أن تكون الحكومة محايدة وخارج التجاذبات السياسية، ولا تستخدم لإعادة إنتاج الأجسام القائمة وتقيد بتفويض واضح بما يضمن انتقالاً فعلياً ينهي المرحلة الانتقالية من دون تكرار أخطاء الماضي.
وبخصوص الأسباب التي دفعت عدداً من منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتبني الخيار الرابع المتعلق بتشكيل حكومة جديدة ذات صلاحيات محددة، ينوه السويحلي بأن الخيار الرابع هو الوحيد الذي يمثل قطيعة حقيقية مع الأجسام السياسية القائمة التي أثبتت فشلها في إنتاج دستور أو تنظيم انتخابات طوال أكثر من عقد، بينما باقي الخيارات تعيد تدوير المعادلات والوجوه والتسميات نفسها.
ويضيف أن هذا الخيار يقدم مساراً واقعياً لإعادة تأسيس الشرعية من جديد، عبر مجلس تأسيسي مستقل ينبثق من حوار وطني شامل، ويقود إلى صياغة دستور وإجراء انتخابات من دون أن يختطف المسار مجدداً من قبل أطراف الصراع، منوهاً بأن بعض الأحزاب تبنت هذا التصور لأنه يعبر عن إرادة التغيير الشعبية ويضع ليبيا على طريق تأسيسي واضح من شأنه أن ينهي المرحلة الانتقالية بدل إطالة أمدها.
بيئة انتخابية
ويؤكد المحلل السياسي حازم الرايس أن جميع الحكومات المتعاقبة على مدار الأعوام الماضية لم تحترم المهام الموكلة إليها أو المواعيد النهائية الحاكمة لبقائها، ولذلك دعت اللجنة الاستشارية التي رعتها الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى حصر مهام الحكومة الجديدة في شقين، يتعلق الأول بتهيئة البيئة الانتخابية، ويقصد بها توفير جميع أشكال الدعم المالي والإداري واللوجيستي والفني والأمني التي تحتاج إليها مفوضية الانتخابات، في حين يتصل الشق الآخر بضمان سير المرافق العامة وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.
ويقول، إن رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا حنا تيتيه، من المنتظر أن تنجح في حلحلة الجمود السياسي الحالي، بخاصة أن جهودها ستتجلى في اجتماع برلين المقبل، زد على ذلك أن البعثة الأممية للدعم في ليبيا تلقت دعماً دولياً وإقليمياً واسعاً، دفعها لتسويق المقترحات التي قدمتها اللجنة الاستشارية في توصياتها في شأن شكل السلطة التنفيذية الجديدة، معتبرة أنه لا يمكن إجراء الانتخابات في ظل وجود حكومتين، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، وفكرة دمج الحكومتين ستزيد من الفساد على نطاق واسع ولن تتمتع بثقة المواطنين، وخيار سلطة تنفيذية ثلاثية على مستوى الأقاليم التاريخية أمر يكرس الانقسام، ومن ثم يبدو أن الخيار الأنسب، وفقاً لما رأته اللجنة، هو حكومة جديدة محددة المهام والولاية.
وأطلقت البعثة الأممية للدعم في ليبيا على مدى الفترة الماضية عدداً من اللقاءات التشاورية بمختلف المدن الليبية كمصراته وبنغازي ونالوت والزاوية وغيرها من المناطق لحلحلة العملية السياسية، إضافة إلى لقاءات شبابية على مستوى البلاد تمحورت حول توصيات اللجنة الاستشارية وكيفية إيصال ليبيا إلى الانتخابات وتوحيد المؤسسات وإنهاء الانقسام الداخلي الذي يعصف بالبلد منذ سقوط نظام القذافي عام 2011.
______________