كريمة ناجي

يرى مراقبون أن السعودية هي الأجدر برعاية الملف الليبي” بسبب مرجعيتها السياسية والدينية

يسعى متابعون لملف الأزمة والانقسام في ليبيا إلى استساخ تجارب دول أخرى عاشت تجربة الحرب الأهلية وويلاتها، وتوصلت إلى نزع فتيل أزماتها بفضل تدخل دول وسيطة وراعية دفعت المتحاربين إلى إقرار اتفاقات من قبيل اتفاق الطائففي لبنان، واتفاق دايتونفي البوسنة والهرسك واتفاق جوبافي السودان.

استمرار حال الجمود السياسي واندلاع توترات أمنية من حين إلى آخر، عوامل رفعت أسهم المخاوف المحلية والدولية في شأن احتمال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع بين الأطراف الليبية المتصارعة في جنيف أواخر عام 2020، وبخاصة في ظل تواصل عجز البعثة الأممية عن الذهاب بالبلد نحو انتخابات شاملة تنهي المراحل الانتقالية والفوضى الأمنية التي تعصف بالبلد منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

تحركات دولية

عوامل دفعت بلداناً غربية متداخلة في الملف الليبي للتحرك على غرار الولايات المتحدة التي كثفت أخيراً نشاطها الدبلوماسي داخل الساحة الليبية، إذ قال مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف سنحقق نجاحاً في ليبيا وستسمعون بذلك قريباً، في حين أكد مستشار ترمب لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا مسعد بولس الذي زار ليبيا أخيراً أن إدارة ترمب تطور تصوراً للحل في ليبيا سيشمل جميع الأطراف، وهناك حلول مطروحة منها مشروع حكم موحد يشمل جميع الفرقاء بصورة شراكة فعلية“.

ويقول مراقبون إن ليبيا لم تعد في حاجة للاكتواء مرة أخرى بمحرقة الحروب والتي تبقى أعنفها حرب الرابع من أبريل (نيسان) 2019 –التي شنها المشير خليفة حفتر على طرابلس وخسرت فيها قواته المعركةبل باتت في حاجة إلى استنساخ تجارب دولية نجحت في إخماد شعلة الحرب الأهلية على غرار اتفاق الطائف، الذي نزع فتيل الحرب اللبنانية عام 1989.

اتفاق الطائف

هو اتفاق سياسي توصل إليه بواسطة سعوديةسورية عام 1989 في مدينة الطائف بالسعودية بغية إنهاء الحرب الأهلية بين الطوائف اللبنانية التي تواصلت لمدة 15 عاماً. وعلى رغم المحاولات الأممية لإنهاء حال الانقسام في ليبيا لم يُتوصل إلى اتفاق نهائي يحل شيفرة الأزمة الليبية، إذ يعد اتفاق الصخيراتالاتفاق السياسي الوحيد الذي نجح الفرقاء الليبيون في الوصول إليه عام 2015 بالمغرب وولدت من رحمه حكومة فائز السراج السابقة، غير أنها فشلت في إنهاء الصراع الدائر في البلد منذ عام 2011.

ويقول عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نالوت إلياس الباروني إنه لا يمكن استنساخ تجربة اتفاق الطائف وتطبيقها في ليبيا، لاختلاف الوضع الليبي عن نظيره اللبناني، مستدركاً أنه يمكن الاستفادة من بعض النقاط التي يحملها اتفاق الطائف على غرار المصالحة الوطنية ومبدأ الحوار ودمج الميليشيات المسلحة في المؤسسة العسكرية“. 

ويشير المتخصص في الشأن الليبي إلى أن هناك أوجه شبه بين الأزمة اللبنانية والإشكالية الليبية في نقاط معينة على غرار الصراع الدموي الذي امتد لأعوام وأيضاً التدخلات الإقليمية داخل البلدين والانقسامات الحادة والجهوية في ليبيا، التي تقابلها انقسامات طائفية في لبنان، منوهاً بأن طبيعية الانقسام جهوي وقبلي ولا وجود للطائفية في ليبيا، لذلك قد يؤدي استنساخ تجربة اتفاق الطائف إلى إنتاج نظام هش قائم على المحاصصة الجهوية والقبلية، دون النظر في معالجة جذرية للصراع والتي تحتاج إلى توافق“.

اتفاق دايتون 

ويشير الباروني إلى أن هناك نماذج أخرى أقرب للواقع الليبي من اتفاق الطائف على غرار النموذج البوسني، والذي يعرف باتفاق دايتون 1995، الذي أنهى حرباً دموية بين الصرب والبوشناق (البوسنيين) والكروات، موضحاً أن هذا الاتفاق نجح في إنشاء دولة لا مركزية مع كيانات شبه مستقلة، وتدخلت الأمم المتحدة في فرض هذا الاتفاق ومعاقبة كل من يعرقله أو يخرقه، منبهاً من أنه أدى إلى جمود سياسي دائم بسبب ضعف الدولة“.

ويدعو المتخصص في العلوم السياسية إلى الالتفات أيضاً إلى اتفاق جوبا بالسودان عام 2020 والذي ضم القوى المسلحة الإقليمية الفاعلة التي تضمن تقاسم السلطة وتمثيل المناطق المحيطة بالمركز، أي تقسيم السلطة والثروة على المناطق البعيدة وإشراكها في كيفية اتخاذ القرار ووصول الثروة إلى المناطق المهمشة.

ويقول عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نالوت إن نموذج جوبا لو اعتُمد في ليبيا سيمنح توزيع الثروة النفطية بعدالة، مما سيتيح الفرصة للجنوب الليبي للاستفادة من ثروات البلاد شأنه شأن القطبين الشرقي والغربي“. 

الآلية 

أما بالنسبة إلى مسألة أي نموذج أقرب للواقع الليبي من النماذج المذكورة سلفاً؟

يؤكد الباروني أن ليبيا تحتاج إلى خليط من هذه النماذج لأن كل اتفاق يصلح منه جزء، فاتفاق دايتون ركز على تقاسم السلطة بصورة لا مركزية، وبالإمكان هنا الاعتماد على النظام اللامركزي أو النظام الفيدرالي الذي يقسم ليبيا إلى مقاطعات أو ولايات لكل منها سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، بينما ركز اتفاق جوبا على توزيع الثروة على جميع المناطق، في حين اهتم اتفاق الطائف بدمج الجماعات المسلحة في الجيش الوطني ودعا إلى الحوار والمصالحة الوطنية، وهو أمر يقول الباروني إنه لن يتم إلا من طريق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي“.

وبالنسبة إلى الآلية الأنسب لتطبيق ما يصلح من هذه النماذج في ليبيا، اعتبر المتحدث ذاته أنه لا يمكن تطبيقها إلا من طريق ضمانات تتطلب بدورها فرض عقوبات ضد المعرقلين، ودمج الجماعات المسلحة في إطار مؤسساتي للدولة سواء في الداخلية أو الدفاع، وهي عملية فشلت فيها ليبيا منذ عام 2011، أو يُلجأ إلى القضاء لمحاسبة القادة العسكريين بصورة استثنائية، وهو أمر لجأت إليه أخيراً حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، التي بدأت بالقضاء على جهاز دعم الاستقرار واتجهت لممارسة الضغط على قوة الردع الخاصة، لتسليم مقارها والانخراط في المؤسسات الليبية.

وينوه بأن اتفاق الطائف قائم على الطائفية لذلك يُبقي النموذج الأبعد من الواقع الليبي الأقرب إلى اتفاقي دايتون وجوبا، فاتفاق الطائف يمكن الاستفادة من بعض نقاطه مثل مبادئ الحوار والمصالحة والتوافق الوطني، في إطار الحفاظ على السلم والأمن في ليبيا“. 

دور السعودية 

في المقابل، يرى رئيس الائتلاف الليبيالأميركي فيصل الفيتوري أن ليبيا باتت اليوم في حاجة إلى نموذج وطني جامع، يحقق ما حققه اتفاق الطائف للبنان من وقف للحرب الأهلية وإعادة هيكلة الدولة وبناء عقد اجتماعي جديد ينهي منطق الغلبة والسلاح، ويؤسس لدولة مدنية تشاركية“.

____________

مقالات مشابهة