الأحزاب السياسية تعد ألية فاعلة في تعبئة الجماهير ورفع مستوى وعيها السياسي، وكذا الإلمام بالمطالب الجماهيرية إيديولوجيا وميدانيا من خلال   استراتيجيات تحويل الأفكار إلى ممارسة والنظرية إلى تطبيق، وطبعا ذلك يرتبط بعدة عوامل كشكل ونوع ودرجة تنظيم كل حزب، وكذا ظروف نشأته التاريخية، وسنحاول التعرض لتأثيرات وآثار هذه العلاقة الجدلية وتفعيلها لمسارات التحول الديمقراطي فيما يأتي:

1- التنشئة الاجتماعية السياسية والثقافة السياسية:

تعد التبعية الاجتماعية العملية الدينامية الأولى التي تستلزمها مقتضيات التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية السياسية، وهي عملية توكل بالدرجة الأولى إلى الأحزاب السياسية، بحيث تقوم هذه الأخيرة عن طريق التنشئة الاجتماعية السياسية بتأهيل المواطنين لممارسة العمل السياسي وتجنيد العناصر القيادية اللازمة لقيادة العمل السياسي والتنموي في المجتمع عموما.

ويتم ذلك عبر مختلف مستوياته التنظيمية أو من خلال تنظيمات المساعدة أو من خلال دورات التثقيف السياسي التي تعقدها، أو من خلال وسائل الإعلام والمد ارس، إذ تقوم بتعريف المواطنين بمختلف النظريات والاتجاهات والتيارات الفكرية وبرامجه السياسية وأساليب عمله التنظيمي فضلا عن تعريفهم بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإيجاد الحلول لها، واختبارها وتقييمها.

وهكذا تتجلى قوة الحزب وفعاليته في بناء الوعي السياسي للمواطنين وتنميته، وتزيد من قدرتهم على مباشرة العمل السياسي وتحمل تبعاته والمشاركة بشكل إيجابي وفعال يخدم قضايا المجتمع بعامة، ويؤثر على عملية التنمية السياسية والتنمية الشاملة، كما يتمثل دوره أيضا في تعزيز الثقافة السياسة السائدة إن كانت مجدية، ومحاولة خلق أخرى جديدة وتطويرها بطريقة دينامية وعملية متجددة تتمخض من توجهات المجتمع الإيديولوجية، وأفكاره السياسية الحية والحركية.

ولعل هذه العملية تبدو بشكل جلي في الدول النامية أين تعمل الأحزاب السياسية فيها على استئصال البقايا الثقافية المخلّفة من الاستبداد التي تمارس أدوارا وظيفية رثة لا تتلاءم مع مستجدات العصر ومتطلباته وتكرس أكثر التخلف والتبعية وتعمقهما.

2- الاتصال السياسي :

يعد الحزب ميكانيزما أساسيا للاتصال السياسي، فهو من خلال عملية التنشئة تلك يقوم بدورالمرسِل وتمثل الجماهير بالنسبة إليه دورالمستقبِل هذا من جهة, ومن جهة أخرى يعتبر الحزب كتنظيم سياسي يستقطب الجماهير ويبلور مطالبها ويعقلنها يمثل دور المستقبِل في حين تمثل الجماهير بذلك دورالمرسِلومن خلال ( Feed Back) يتم التفاعل السياسي المطلوب وتتكامل عملية الاتصال السياسي بكافة أبعادها وجوانبها المختلفة.

وما يلاحظ في دول العالم الثالث أنه نتيجة لمحدودية دور وسائل الإعلام وغيابها وتخلّفها أو عدم كفايتها ونقص فاعليتها يصبح دور الاتصال السياسي مناطا أكثر للأحزاب السياسية أكثر مما هو عليه في الدول المتقدمة.

3- تفعيل المشاركة السياسية للمواطنين:

ويعتبر الحزب أيضا ميكانيزما للمشاركة السياسية وتفعيلها، بحيث من بين أهداف قيامه تنظيم الحركة السياسية للجماهير، وتيسير مشاركتها في مختلف الأنشطة السياسية بشكل منظم ومشروع، وذلك بتمكين الجماهير التعبير عن مصالحها ورغباتها ومعتقداتها بأكثر حرية. هذا من ناحية، وتهيئتهم للمشاركة في صناعة القرار السياسي واختيار الحكام بأسلوب مشروع، ويساعد على التجديد المستمر في حركة العمل السياسي في صفوف هؤلاء وصفوف الصفوة الحاكمة على حد السواء.

من ناحية أخرى، وبصفة عامة فالمشاركة السياسية التي تنشأ في إطار الأحزاب تأخذ صيغتين ؛ صيغة المشاركة الديمقراطية وصيغة مشاركة التأييد , كما أن التعددية السياسية تطرح أمام المواطنين مجالا أكبر للخيارات السياسية سواء تعلق الأمر بالبرامج التنموية أو باختيار الحكام والقادة السياسيين من خلال ترشيح الأعضاء الأكثر كفاءة لاعتلاء المناصب السياسية والإدارية السامية، وممارسة المسؤوليات وتولي زمام الحكم بمستوياته المحلية والوطنية، بحيث يسمح هذا بالممارسة الديمقراطية بأكثر حرية.

ويخضع الاختيار بذلك إلى محكية الكفاءة والجدارة لا لمحكية توارث الصفوية، كما أن هذا يعطي أيضا لجميع المواطنين الأكفاء والقادرين المتطلعين للممارسة المسؤولية حظوظا متقاربة إلى حد ما، وفي مستوى ديمقراطي أكثر قد تكون هذه الحظوظ متساوية.

4- تشكيل الرأي العام:

تقوم الأحزاب بدور هام لإقناع الجماهير ببرامجها السياسية وإيديولوجيتها العامة عن طريق التنشئة الاجتماعية السياسية، وكذا تكوين الآراء الواعية تجاه المشكلات المجتمعية الواقعية بحيث تبلور لديهم اعتقادات معينة حول هذه المشكلات من خلال ما يتاح لها من وسائل دعائية وإعلامية وكذا من خلال المناقشات العامة.

5- احترام مبدأ الفصل بين السلطات وممارسة الرقابة السياسية وتحديد المسؤوليات:

تشارك الأحزاب باعتبارها سلطة رقابية وضبطية في المجتمع بشكل مستمر على احترام مبدأ الفصل بين السلطات كما أنها تمارس حقوق المساءلات السياسية واستجواب المسؤولين الحكوميين خاصة فيما يتعلق بالقضايا العامة التي تهم الصالح العام، كما تعمل حثيثا على احترام الدستور وسيادة القانون في تشكيل السلطات وبناءاتها وأدوارها المختلفة وضرورة احترام مسؤوليات كل سلطة تجاه الوطن والمجتمع.

6- تحقيق الاستقرار والتضامن الاجتماعي ودعم مبدأ المواطنة:

عموما يرتبط التكامل الاجتماعيالسياسي بالمشاركة السياسية وذلك من خلال التأكيد على قيمة المساواة في الحقوق والواجبات داخل المجتمع، ويتوقف تحقيقها على نجاح النظام السياسي في إنجاز مجموعة من العمليات المرتبطة والمتداخلة معا في آن واحد , كتلك المتعلقة بالتغلغل الجغرافي للنظام في جل أقاليم الدولة وبسط سيطرتها وسلطتها عليها.

وأيضا العمل على تخطي الفجوة بين الصفوة السياسية والجماهير من جهة وداخل صفوف الصفو ة ذاتها من جهة أخرى، فضلا عن إدماج مختلف الطبقات والجماعات العرقية والسوسيوثقافية داخل المجتمع لتتفاعل مع النظام في إطار هوية وطنية واحدة تؤكد على مفهوم الولاء والانتماء إلى الأمة والدولة الوطنية التي تمثلها بما يضمن دعم واستمرار البناء الكلي للمجتمع وتطويره وتحديثه.

وتتأكد قيم المساواة والحقوق والواجبات في النظم التعددية خاصة إن عرفت ما يسمى بظاهرة الائتلافوتجميع الأحزاب في إطار جبهة وطنية واحدة من أجل تحقيق أهداف وطنية مشتركة ويعمل هذا على تطوير نسق الثقافة السياسية بحيث تصبح تنطوي على قيم المساواة كمعيار أساس، وكذا تطوير القدرة التوزيعية للنظام السياسي، وتطوير قاعدة التوزيع في المجتمعات وإقامة بنائها على أساسالتكافؤ والعدالة “.

وهذا ما يتطلب استحداث برامج وعمليات التنشئة الاجتماعية السياسية المناطة للأحزاب , كما أن التوغل الجغرافي يحقق بدرجات كبيرة التكامل الإقليمي والذي يساعد على التكامل الاجتماعيالسياسي سواء في صفوف الصفوة الحاكمة أو بين صفوف الجماهير أو بين الاثنين معا من خلال تطوير شبكة اتصالية قوية وفعالة تعمل على تعميق الوعي بالهوية الوطنية الموحدة بين مختلف الطبقات والجماعات.

وهذا ما يمثل بحق نشرا لروح المواطنة ومبادئها ودعما لمسارات التحول الديمقراطي وتحقيق الديمقراطية، خاصة إذا تعلق الأمر ببلداننا العربية حيث نجد أن الولاء للدولة قد بات مغيّبا ومتجها أكثر للولاءات الاثنية والعرقية والقبيلة، أين أصبحتالعصبية القبلية وما قاربها تشكل بحق عاملا معيقا لعملية تحول ديمقراطي ناجع وناجح.

الأحزاب السياسية كآلية للمشاركة في بناء الحكم الرشيد

تشكل الأحزاب السياسية مؤسسة غير رسمية أساسية في أنظمة الحكم الديمقراطية، نظرا لما تتمتع به من قدرة على التأطير والتجنيد و التمثيل و المراقبة، فالحزب الديمقراطي هو أكثر المؤسسات علاقة بنظام الحكم و بالدولة الديمقراطية، فهو إما حكومتها أو حكومة الظل فيها.

توجد هناك علاقة جدلية بين الحكم الراشد و بين المجتمع المدني و مؤسساته كالأحزاب السياسية التي تعتبر مظهر من مظاهر الحكم الجيد إلى جانب شرعية الحكم و الانتخابات النزيهة و التمتع بالحقوق السياسية و المدنية، و التي هي من بين معالم الديمقراطية. كما تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة و مؤسسات المجتمع المدني و من بينها الأحزاب أحد أهم محاور حسن الحكم بحيث اعتبر التأكيد على فعالية مؤسسات هذا المجتمع في مواجهة الدولة أحد الشروط الأساسية لتحقيق التنمية و الحكم الرشيد وتعزيز الديمقراطية.

فالحكم الرشيد في الحياة السياسية هو من دون أي شك الحكم الديمقراطي أي المستند إلى مشاركة واسعة من المواطنين في صنع القرار، و في المتابعة والمحاسبة و المساءلة التي تسمح بإمكانية التداول على السلطة، لأنه إن لم يكن هناك إمكانية تداول حقيقية للسلطة كانت المساءلة و المحاسبة شكلية.

دور الأحزاب في تجسيد مبادئ الحكم الرشيد:

حتى تتمكن الأحزاب من القيام بدورها في تطبيق مبادئ الحكم الراشد و حماية الديمقراطية و حقوق الإنسان وإقامة أنظمة الحكم الديمقراطية الجيدة لابد لهذه الأحزاب أن تتصف بما يلي:

1_الاستقلالية

2_الديمقراطية الداخلية

3_العضوية (فتح أبوابها للجمهور).

4_التنسيق مع منظمات المجتمع المدني الأخرى.

تسعى الأحزاب لتجسيد قيم و معايير الحكم الرشيد بواسطة ما يلي :

*التجنيد السياسي: إعداد القيادات و يشتمل القيادة العليا في البرلمان و الحكومة و كذلك على مستوى الوظيفة الحزبية.

*التنشئة السياسية و غرس قيم الثقافة المدنية المعاصرة و احترام حقوق الإنسان والالتزام بفكرة الشرعية .

*المساءلة: يعرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المساءلة على أنها الطلب من المسئولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم و تصريف واجباتهم و الأخذ بالانتقادات التي توجه لهم و تلبية المتطلبات المطلوبة منهم و قبول (بعض) المسؤولية عن الفشل و عدم الكفاءة أو عن الخداع و الغش.

ـ تمارس الأحزاب السياسية وظيفة المساءلة عن طريق وجودها في المؤسسة البرلمانية و ذلك عن طريق السؤال الشفوي (المساءلة التشريعية البرلمانية).

ـ أو عن طريق وجودها في الحكومة الائتلافية (المساءلة التنفيذية)، و هي مسؤولية الجهاز الحكومي الذاتية في محاسبة نفسه بنفسه عبر مؤسساته الرقابية والمحاسبية .

ـ المساءلة عبر السلطة الرابعة (الإعلام)، الجرائد و الصحف الحزبية.

ـ المساءلة عن طريق المجالس المحلية المنتخبة (التمثيل القاعدي)

*الشفافية: تعني توفر المعلومات في مواقيتها و إفساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية و الموثقة، مما يساعد على اتخاذ القرارات الصالحة قي مجال السياسات العامة، هذا الأمر لا يمكن توفيره، إلا بإطلاق حريات الرأي و التعبير و إفساح المجال لحرية الصحافة خاصة الصحافة الحزبية، هو ما يسمح للمواطنين بالمراقبة و المساءلة .

*التنافسية السياسية: يقوم الحزب بإدارة الصراع السياسي في المجتمع و ذلك بتنظيم التنافس بين القوى بشكل سلمي يبعده عن دائرة العنف.

*توسيع قاعدة المشاركة حيث يشكل الحزب أحد قنوات الاتصال بين المحكومين و الحكام و يفتح المجال للأفراد للاتصال و المساهمة في الحياة العامة.

*إضفاء الشرعية.

*محاربة الفساد: إن الحكم الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية و تداول السلطة يحول دون استفراد حزب سياسي ما بالقوة و النفوذ و يجعل الذي في السلطة محل متابعة و رصد و محاسبة.

_______________

نقلا (بتصرف) عن هذا المصدر 

مقالات مشابهة