قد ينتهي المطاف بالأحزاب السياسية بالعمل في فقاعةإذا لم تعمل الأحزاب على إشراك منظمات المجتمع المدني والجهات الفاعلة الرئيسة ووسائل الإعلام القائمة في مجتمعهم. وهذا ينطبق على جميع مجالات السياسة، بما في ذلك حالات مشاركة الأحزاب السياسية في عمليات الحوار بين الأحزاب.

وفي أي حوار حزبي سياسي، من الضروري النظر في سبل إشراك منظمات المجتمع المدني بما في ذلك الشبكات المؤثرة بقوة في كثير من الأحيان، والجمعيات التطوعية التي يعمل من خلالها المواطنون على إدارة وتدبير شؤونهم الخاصة، والتأثير في السياسة العامة علاوة على قنوات الاتصال المستقلة والتعددية.

وقد تستفيد الأحزاب السياسية من الحوار أو من عملية بنـاء التوافق في الآراء مع بعضها البعض في نواح كثيرة. ومع ذلك، فإذا فشلوا في تفسير سبب اجتماعهم، أو ما يناقشونه آنـذاك، أو ما أمكنهم التوافق عليه، والوصول إلى إجماع حـولـه في الآراء، فإن المؤسسات الإعلامية ومنظمات المـجـتمع المـدني، قد توجه لهم سهام الاتهام والنقد بأنهم يعملون بمعزل عن المجتمع.

ومثل هذا التصور أو المفهوم، قد يؤدي إلى إعطاء صورة سلبية عن الأحزاب السياسية والمؤسسات الديمقراطية، وزيادة وصم سمعة الأحزاب وتدنّيها في نظر الجمهور. كما قد يؤدي ذلك إلى تعزيز وترسيخ فكرة أن الأحزاب السياسية تشكل نخبة تفضل عقد الصفقات السريةمن وراء الأبواب الموصدة، بدلاً من التفاعل مع الناس الذين يمثلونهم.

وكلام جرى إدراج كيانات جديدة مثل منظمات المجتمع المدني، فإن الحوار بين الأحزاب يصبح تلقائياً، أقل حكراًعلى الأحزاب السياسية، ما قد يتسبب بالتالي، بخطر تراجع الالتزام نحو الحوار من جانب الأحزاب المشاركة. وفي نفس الوقت، تستطيع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المساعدة في توسيع نطاق الحوار والوصول فيه لأجزاء من المجتمع يصعب الوصول إليها في حال غياب المساعدة لهم.

المشاركة ونيل الثقة المبكرة

يجب أن يتذكر ميسرو الحوار أن عمليات الحوار بين الأحزاب تهدف في نهاية المطاف، إلى تعزيز النظام الدميقراطي في البلاد ودور الأحزاب وعملها ضمن ذلك النظام. وهذا يعني، أنه عند نقطة معينة، فإن عملية الحوار بني الأحزاب ونتائجها تتطلب نيلها ثقة المواطنين، عن طريق إبلاغ كل من المجتمع المدني ووسائل الإعلام بشأنها. وهذا ما من شأنه تعزيز الشرعية الديمقراطية للحوار.

وفي اللحظة التي يأتي فيها هذا المبدأ تحت نيران الاتهام، على سبيل المثال، عندما تبدأ عناوين

الصحف في إطلاق مزاعم عامة تهدف إلى تشويه سمعة عملية الحوار، فإن حسن النوايا والنتائج الناجحة التي تسفر عن الحوار قد يتم حجبها، وتتضرر بسببها سمعة الأحزاب السياسية.

ولعل الطريقة المثلى لمنع حصول مثل ذلك، هي من خلال العمل في مرحلة مبكرة من الحوار على تطوير العلاقات الإيجابية بين منتدى الحوار والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.

الفوارق بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني

لفهم دور المجتمع المدني في الحوار الحزبي السياسي، من المهم أن ننظر أولاً إلى الأدوار المختلفة التي تلعبها في المجتمع كل من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وعلى الرغم من كيرة القواسم المشتركة بينهما، فإن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، بحكم تكوينها، هي عموماً مؤسسات مختلفة جوهرياً. وترتبط الأحزاب السياسية عموما بالمنافسة للاستحواذ على السلطة، وتلعب دوراً في تمثيل مجموعات واسعة من المواطنين، وتجميع مجموعة واسعة من الأفكار السياسية، بينما توجد عادة منظمات المجتمع المدني لأداء دور المراقبة لتكريس سياسات أو تقديم خدمات معينة.

وتميل الأحزاب السياسية لتحديد مسؤوليتها في إيجاد حلول للمشاكل العامة بشكل مختلف عن منظمات المجتمع المدني التي لا تضطلع بأية مسؤولية تتعلق بالحكم، ولا يتم انتخابها عادة من خلال عملية ديمقراطية على الصعيد الوطني، وغالباً ما لا يتم تكليفها رسمياً عن طريق دستور البلاد لتمثيل أبناء الشعب ككل في تعاملهم مع الدولة. لهذا، فإن منظمات المجتمع المدني لا تعتبر مسؤولة دميقراطياً بنفس الطريقة المتعلقة بالأحزاب السياسية.

ولذلك، عندما يتم إشراك منظمات المجتمع المدني في الحوار، فإن الأحزاب قد تشعر كما لو أنها لا تجلس بين أنداد أو نظراء متكافئين. ويتعين على ميسري الحوار أن يأخذوا هذا البعد بعني الاعتبار.

وعلى الرغم من كونها حقيقة تمتل في اتجاه معارضة الأعمال المخالفة أو الخاطئة التي قد تصدر من جانب منهم في السلطة، فإن منظمات المجتمع المدني ليست بالضرورة محايدة سياسياً، وبعض ممثلي هذه المنظمات ربما قد نشأوا حتى من خلفيات أحزاب معينة.

كما أن دعوة المنحازين سياسياً، أو منظمات المجتمع المدني المتحالفة مع جهات معينة للمشاركة في الحوار، قد تؤثر سلباً على ثقة الأحزاب الأخرى في عملية الحوار. وفي سياقات أخرى، فإن منظمات المجتمع المدني قد تكون هي العازفة عن المشاركة في الحوار مع الأحزاب السياسية، مثلاُ، عند انعدام ثقة المواطنين بصورة واضحة في حزب واحد أو أكثر من الأحزاب السياسية.

وفي هذه السياقات، فإن منظمات المجتمع المدني قد تكون قلقة إزاء ما يجري من تحييد لها من قبل الأحزاب السياسية، أو بسبب فقدان استقلاليتها من خلال العملية. كما أنها قد ترى أيضا، أن اعتبارها منحازة مع حزب أو أكثر يشكل خطراًعليها. ويتعين على ميسري الحوار أن لا يطلقوا أية أحكام، بل أن يسعوا لفهم الطريقة التي تفضل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني التفاعل معها.

إن فهم واستيعاب هذه العلاقات ومستوى الثقة أو عدم الثقة بين الجهات الفاعلة يعتبر أمراً هاماً طوال عملية الحوار، لأنها قد تؤثر على الديناميكيات بني الأحزاب وعلى نظرة المجتمع الإيجابية أو السلبية تجاه الحوار.

ولذلك، الحوار، فإنه ينبغي إدراج تحديد منظمات المجتمع المدني كجزء من التحليل السياسي. وفي جميع الحالات، فإن من المفيد التحقق من طاقات وقدرات وخبرات منظمات المجتمع المدني وانتماءاتها السياسية.

دور منظمات المجتمع المدني في حوار الاحزاب السياسية

على الرغم من الخلافات بينهما، فإن التحدي المشترك لكل من المجتمع المدني والأحزاب السياسية هو تعزيز رؤية موحدة للمجتمع، والعمل أكثر أو أقل بشكل جماعي، سواء على الإصلاحات الوطنية أو على عمليات صياغة السياسات العامة. ويعتبر إشراك المجتمع المدني في الحوار مهامً، لأنه في العادة يكون قادراً على إمداد الأحزاب مبنظور نقدي أوسع، في أغلب الأحيان، بشأن القضايا قيد المناقشة.

ومن شأن التشاور المنتظم مع منظمات المجتمع المدني، أيضا، مساعدة الهدف الأشمل بشأن الحفاظ على علاقات جيدة مع مجموعة واسعة من جماعات أصحاب المصالح، خاصة ممن لها مصلحة في أنشطة الأحزاب السياسية. وتستطيع منظمات المجتمع المدني إشراك منظمات تركز على أمور شتى من بينها: التطور الديمقراطي والإصلاح الانتخابي، نظام الحكم، التربية المدنية، إصلاح القطاع العام، مكافحة الفساد، إصلاح النظم القانونية وحقوق الإنسان، مواقف العامل أو أصحاب العمل، تمكين ،المرأة والمعوقين، والتسامح الديني أو العرقي، وغيرها. وقد تعمل هذه الجهات الفاعلة على المستويين الوطني والدولي.

وتعتمد الأحزاب بإنتظام على منظمات المجتمع المدني، سواء لخبرتهم أو لدعمهم المحتمل لإجراء إصلاحات سياسية. وهذا الترابط، قد يجد لنفسه مكاناً طبيعياً للتقارب من خلال منبر الحوار.

مزودو الخبرات

في بعض الحالات، تتم دعوة منظمات المجتمع المدني للحوار بوصفهم مشاركين رسميين، وخاصة عندما تكون تلك المنظمات جزءاً أساسياً من مشكلة سياسية أو من الحل الذي يجري تداوله عبر الحوار. ومع ذلك، فإنها في معظم الحالات تجري مشاركتها في عملية الحوار بصورة فضفاضة، وغالباً ما تشارك بصفة مقدمي خبرة.

ومن الممكن أن تشارك الجهات الفاعلة في المجتمع المدني من بداية الحوار كخبراء، أو تجري دعوتها كجهات اتصال بالمصادر، بحيث تستطيع الأحزاب الاستفادة من وجهات النظر والمعلومات المتوفرة لدى تلك المنظمات.

وعلى سبيل المثال، فإن التشاور مع منظمات مجتمع مدني تتمتع بالجدارة والموثوقية في مجال التحليل السياسي أو في مرحلة وضع جدول أعمال الحوار، من شأنه تسهيل عملية تحديد القضايا الوطنية ذات الصلة، حيث لا توجد لمنظمات المجتمع المدني هناك أي أصوات على المحك“.

وكما هو إشراك المجتمع المدني في عمليات صنع القوانين البرلمانية من خلال جلسات الاستماع العامة، فإنه يمكن دعوة الجهات الفاعلة في المجتمع المدني للمشاركة في وضع جدول أعمال الحوار، وتقديم معلومات حول بعض وجهات النظر في المجتمع أو مقارنة الخبرات في مجالات خبراتهم.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من الممكن خلال عملية الحوار، استشارة منظمات المجتمع المدني بشأن بعض المسائل التقنية أو المتخصصة على جدول الأعمال. ومن وجهة نظر عملية صرفة، فإن إشراك جماعات المجتمع المدين كأشخاص مصادر معلومات ومعرفةقد يكون بمثابة وسيلة مفيدة للأحزاب للحصول على الخبرة الصحيحة، مجاناً دون أي مقابل“. كما يمكن أيضاً استخدام اجتماعات مجموعات العمل الفنية لإشراك ممثلين من منظمات المجتمع المدني، (على سبيل المثال، عند مراجعة الإطار القانوني السياسي).

شركاء في التواصل مع المواطن ووسائل النشر

وقد ينظر إلى المجتمع المدني طوال عملية الحوار بوصفه وسيلة أساسية لبعض جماعات المصالح الخاصة في المجتمع.

وفي هذا السياق، فإن إشراك منظمات المجتمع المدني بطريقة فعالة يؤدي إلى المزيد من الشرعية، وقبول المصلحة في هذه المشاركة في أوساط تلك الجماعات وشبكاتها المدنية. وعلى وجه الخصوص، فإنه عندما يتعلق الأمر بمسألة توعية وموافقة المواطن بشأن مواضيع الحوار، فإن منظمات المجتمع المدني تستطيع لعب دور الشركاء الاستراتيجيين في الوصول إلى هذه المجموعات.

كما أن استشارة منظمات المجتمع المدني في المراحل الأولى من الحوار للحصول على آراء من مجموعات أكبر وأكثر تنوعاً في المجتمع قد تعزز مدى كون الحوار ممثلاً للشعب واحتياجاته.

و بعد أن تعطي عملية الحوار نتائجها (مثلاً، عندما يتم الاتفاق على مدونة سلوك الأحزاب السياسية)، فإن منظمات المجتمع المدني، بجانب وسائل الإعلام، يمكنها أن تلعب دوراً رئيساً في زيادة التنشئة الاجتماعية ونشر تلك أن النتائج. وتستطيع منظمات المجتمع المدني، على سبيل المثال، أن تساعد في خلق الوعي حول مضمون مدونة قواعد سلوك الأحزاب السياسية أثناء الانتخابات، أو معنى الشروط والأحكام الدستورية الجديدة (على سبيل المثال، تستطيع المنظمات غير الحكومية المحلية استخدام شبكاتها لتوصيل الرسائل لجهات وأماكن أبعد أيضاً).

و مرة أخرى، قد يكون مفيدا من الناحية العملية أن ندرك أن تنظيم الحوار وعمليات بناء التوافق في الآراء قد يكلف الكثير من المال والجهد (لا سيما عندما تؤخذ عملية التنظيم حتى المستوى المحلي). لذلك، فإن تقاسم هذه المسؤوليات مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني قد تعتبر مساعدة قيمة للغاية.

تحسين العلاقات بين منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية

نظراً للمفارقة الظاهرة بشأن الاعتماد المتبادل من ناحية، وانعدام الثقة من ناحية أخرى، فإنه يتعين خلق علاقة من الثقة والانفتاح بين كل من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، مع مرور الوقت.

وينبغي أن تنظر الأحزاب السياسية إلى تحسين هذه العلاقة، بصورة تدريجية، كدافع لأخذ وجهات نظر منظمات المجتمع المدني، والإفصاح عن أكبر قدر من المعلومات حول الحوار إلى وسائل الإعلام والجمهور بقدر المستطاع.

ومع ذلك، فإن ما هو ممكنفي هذا الصدد، يعتمد على ما قد يساعد وما قد يعيق قضية الحوار نفسها. وقد يرغب ميسرو الحوار في الأخذ بعني الاعتبار، أن هناك فرقاً بني النظر إلى فحوى الشفافية بأنها الإعلام عن التقدم والنتائجوالنظر إليها على أنها عقد وإجراء عملية الحوار بشكل علني وصريح“. ولكن البديل الأخري، في كثير من الأحيان، لا يفضي إلى بناء الثقة والتبادل الصريح للآراء ووجهات النظر.

و قد يرغب ميسرو الحوارات في الحصول على اتفاق مسبق بشأن مدى رغبة الأحزاب في التعاون مع منظمات المجتمع المدني، كما يتعين عليهم أن يكونوا حذرين بشأن إعطاء منظمات المجتمع المدني وضعاً مماثلاً، على قدم المساواة، مع الأحزاب السياسية في الحوار. وهذا لا يعني أن مساهمة وأدوار منظمات المجتمع المدني ليست ذات أهمية، بل إن مستوى وتوقيت مشاركتها يعتبر عاملاً حاسما.

الخلاصات

  • عادة ما تلعب منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمنظمات الحزبية السياسية أدواراً مختلفة في المجتمع.
  • إن التواصل مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مختلف مراحل الحوار، من شأنه تعزيز تمثيل آراء المواطنين.
  • عند نقطة ما، فإن عملية الحوار بين الأحزاب ونتائجها تحتاج إلى التصديق عليها من قبل المواطنين، وفي كثير من الأحيان، فإن ذلك يجرى عن طريق إعلام المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
  • إن الانخراط المبكر يعزز الشرعية الديمقراطية في نتائج الحوار.
  • إن أحد التحديات التي تواجه كلاً من منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية هي العمل، بشكل جماعي، على الإصلاحات الوطنية والسياسات العامة.
  • إن لفت اهتمام وسائل الإعلام قد يكون بمثابة حافز إيجابي، ولكن ذلك يصبح سلبياً في بعض الأحيان للأحزاب المشاركة في الحوار.

ـــــــــــــــــــ

المصدرحـوار الأحـزاب السياسيةدليل ُميسر الحوار

International IDEA / NIMD / The Oslo Center

مقالات مشابهة