يوسف شرقاوي

بينما أحرزت المرأة الليبية تقدماً في تأمين الحقوق القانونية والسياسية، فإنها لا تزال تواجه ثقافة أبوية وعنفا متزايدا.

***

منذ مئات السنين، تشارك المرأة الليبية في مختلف المجالات، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

ورغم تمتّع النساء الليبيات بوضعٍ أفضل نسيباً من وضع نظيراتهن في بعض الدول العربية بسبب مطالبتهنّ بحقوقٍ قانونية وسياسية، إلا أنهنّ لا يزلن يواجهن مشكلات عديدة. وتشمل هذه المشكلات ما تواجهه النساء في ليبيا ممّا يمارس بحقّهنّ من عنفٍ متنامٍ، ناهيك عن الاصطدام بالثقافة الذكورية.

وتمتد التحديات لتصل إلى المطالبة بالمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، فضلاً عن تفعيل المشاركة في السياقات المختلفة اجتماعياً واقتصادياً.

ويشمل ذلك الإسهام في إحلال السلام في ليبيا، وكذلك الحد من التمييز القائم على النوع الاجتماعي.

مسار تاريخي

في دراسةٍ بعنوان “تغيّر دور المرأة في المجتمع الليبي”، تقسم الباحثة سعاد غميض مراحل تطور أوضاع المرأة في ليبيا إلى ست مراحل تاريخية. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هذه المراحل لا تشمل الحقبة الأولى من حكم العثمانيين لليبيا بين عامي 1551 و1835. ويعود السبب في ذلك إلى عدم توفّر أية معلومات عن دور المرأة في تلك الحقبة من تاريخ ليبيا.

الفترة التاريخية الأولى (1835 ـ 1911)

وهي المرحلة الثانية والأخيرة من حقبة الحكم العثماني لليبيا. وانعكس تأثير هذه الفترة بشكلٍ واضح على طبيعة الثقافة التقليدية السائدة في ليبيا، خاصة المتعلقة بالمرأة.

ومنذ عام 1835، يمكن رصد حضور المرأة الليبية من خلال تتبّع تطور النظام التعليمي العثماني، الذي كان دينياً بمجمله.

وأنشأت نساءٌ ليبيات عام 1908 جمعية “نجمة الهلال” التي تُعَد أول منظمة مجتمع مدني للنساء في ليبيا. وأُسِّست الجمعية لتعليم النساء قواعد الآداب والسلوك والتعاليم الإسلامية المختلفة.

ووفقاً للباحث سامي القنبور، فقد رفعت الجمعية شعار “الفضيلة، الوطن، الشفقة. وهدفت إلى مساعدة أمهات المستقبل، وكانت نشاطاتها محصورة في الجانب الاجتماعي.

ويرى القنبور أنّ حضور 107 امرأة للاجتماع الشامل الذي عقدته الجمعية عام 1911 دليلٌ على تغيّر دور المرأة في المجتمع الليبي.

الفترة التاريخية الثانية (1911 ـ 1943)

وهي فترة الحكم الإيطالي لليبيا. وساهمت المدارس اليهودية التبشيرية خلال هذه الحقبة بتعليم المرأة التطريز وأشغال الإبرة وما يلزمها في إدارة البيت. كما افتُتحت عدّة مدارس للّيبيات المسلمات.

وتصف غميض دور المرأة في مواجهة الاحتلال الإيطالي بالاستثنائي. ومع ذلك، فإن دور المرأة الليبية تلاشى تقريباً بعد خروج الإيطاليين من ليبيا. وبات دور النساء محدوداً جداً في مرحلة ما بعد التحرير.

وتعتبر مبروكة العلاقية من المُقاوِمات الليبيات اللواتي حافظن على بصمة تاريخية مهمة في ليبيا. وتروي المراجع أنّ العلاقية ارتدت ملابس الرجال بغية التنكر من أجل القتال.

كما تشمل قائمة المقاومات الليبيات كلاً من سليمة بنت المقوّس التي شاركت في معركة قرقارش، وغيرهما نساء ليبيات كثيرات شاركن في مقاومة الاحتلال الإيطالي.

الفترة الثالثة (1943 ـ 1951)

خضعت ليبيا في تلك الحقبة لحكم الإدارتين البريطانية والفرنسية. ومن أهم التطورات التي حصلت في تلك المرحلة انتشار الإدراك بأهمية التعليم وافتتاح عدة مدارس، وتولّي نساء إدارة ثلاث مدارس.

الفترة الرابعة (1951 ـ 1969)

هذه الفترة تغطي خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وكانت حينذاك ليبيا مملكة تحت رعاية الأمم المتحدة. ومع تركيز الحكومة الليبية في تلك الحقبة على التعليم، يمكن ملاحظة تطور وضع المرأة في هذا المجال.

ونصّ أوّل دستور للبلاد على أنّ التعليم حقٌّ مكفول “لكل مواطن ليبي. وصار التعليم إلزامياً في المراحل الأولى للبنين والبنات. ومع ذلك، يُلاحظ قلة عدد البنات مقارنة بالذكور في النظام التعليمي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ويرجع السبب في ذلك إلى الزواج المبكر للإناث والثقافة التقليدية السائدة بتفضيل الذكور في كل مفاصل الحياة ومنها التعليم.

وتبرز في هذه الفترة أسماء ناشطات ليبيات أسهمن في تطوير وضع المرأة الليبية. وكانت حميدة طرخان العنيزي من رائدات الحركة النسائية في ليبيا حينذاك، وأول معلمة للتعليم الابتدائي.

وأسست طرخان جمعية النهضة النسائية الخيرية عام 1954، والتي كانت تهدف إلى النهوض بالمرأة ثقافياً واجتماعياً ومعنوياً. كما ساهمت طرخان في تأسيس أول نواة للتمريض وحركة المرشدات عام 1960.

وإلى جانب ذلك، ساهمت في تأسيس أول معهد للمعلمات وأول صفّين مخصصين لمحو الأمية للفتيات. وفي عام 1963، أشرفت طرخان على إنشاء مدرسة مسائية تطوعية لتعليم النساء القراءة والكتابة. كما أنشأت أول مكتبة ثقافية نسائية في بنغازي.

وشاركت طرخان في عام 1965 في تكوين الاتحاد النسائي الليبي، الذي أتاح للمرأة الليبية المشاركة في الكثير من المؤتمرات المحلية والدولية.

ومن النساء الليبيات البارزات في تلك الفترة خديجة الجهمي، وهي إحدى رائدات المطالبة بحقوق المرأة منذ فترة الاستعمار الإيطالي. وأصدرت الجهمي مجلة المرأة (لاحقاً مجلة البيت) عام 1964 وتولت رئاسة تحريرها عام 1965.

كما أسست أول مجلة للأطفال وهي مجلة الأمل وترأست تحريرها. وساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي الليبي وتولت رئاسته عام 1972.

وتضم القائمة زعيمة الباروني، وهي إحدى رائدات الأدب النسائي في ليبيا، وصاحبة أول تجربة قصصية نسائية ليبية. وتُعتبر مجموعة الباروني “القصص القومي” التي صدرت عام 1958 ثاني مجموعة قصصية تصدر في ليبيا بعد مجموعة “نفوس حائرةلعبد القادر أبو هروس.

وكانت الباروني من العضوات المؤسِّسات لجمعية “النهضة النسائية” وشاركت من خلالها في مؤتمرات خارج ليبيا تهتم بقضايا المرأة. ومن هذه المؤتمرات مؤتمر المرأة الأفروآسيوية في القاهرة سنة 1960، برفقة حميدة العنيزي.

يتبع

_______________

مقالات مشابهة