مختار غميض
على غير العادة ولأول مرّة يتم اقتراح موضوع العمل بنظام الأقاليم في ليبيا، من الغرب، بعدما تم طرح الموضوع من الشرق قبل سنوات. فهل يحظى الملف بإجماع ويحل أزمة السلطة المركزية؟
اقترح مؤخرا نائب رئيس المجلس الرئاسي من طرابلس الغرب، موسى الكوني موضوع تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم على أن يكون لكل إقليم برلمان خاص يمنحه استقلالية تشريعية، بدل برلمان واحد مركزي.
ذلك البرلمان الذي تآكلت شرعيته، بعد أكثر من عقد على انتخابه، حتى أصبح محل تنازع بين المنطقة الشرقية والغربية وأداة للحفاظ على المنصب والرواتب وفق اعتبار كثيرين من الذين دعوا إلى التسريع بالانتخابات.
غير فكرة الأقاليم برقة شرقا، فزان جنوبا، وطرابلس في الغرب، صدرت هذه المرة من السلطة التنفيذية المعترف بها أمميا، مما قد يجعلها مقترحا عمليا لتثبيت الاستقرار الإقيليمي داخليا، وفي المنطقة عموما.
ورغم تكتكم اللاعبين الفاعلين مثل البرلمان الحالي، ومجلس الدولة، وحكومتي الدبيبة وحماد، إلا أن الطرح لاقى جدلا من الشخصيات والمجتمع المدني، مما حرك المياه الراكدة في موضوع يعتبر قديما متجددا.
قديم حيث أعادنا إلى أصل حكم ليبيا قبل توحيدها منتصف القرن المنقضي، ثم إلغاء نظام الأقاليم مع بداية الستينات، واعتماد المحافظات.
غير أنه بعد سقوط نظام القذافي عاد موضوع الأقاليم بقوة بهدف القضاء على المركزية بحكم كبر مساحة البلاد، وحسن التصرف في موارد الدولة وتوزيع موازنتها واستغلال ثروتها.
وقد جرى الحديث السنوات الماضية عن طرح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لخيار الحكم الفيدرالي، بعد طُرح الموضوع منذ 2013 من طرف مجموعة المكتب السياسي لإقليم برقة التي دعمت بقوة عودة نظام الأقاليم مما يحد من التهميش والإقصاء.
طرح يتشابه مع الطرح الجديد لنائب الرئاسي، حيث تصبح الأقاليم سلطة تنفيذية ضامنة لرعاية حقوق الجهات عبر حرية التصرف في ميزانياتها ورعاية مشاريعها.
هذا الأمر من شأنه أن يكون نقطة ارتكاز وقوة اقتراح يسهل الجهود الأممية المتعثرة منذ سنوات في حل القضايا الخلافية أو النجاح في إجراء الاستحقاق الانتخابي.
كما من شأن نظام الأقاليم ببرلماناتها المستقلة، تفادي إعادة إنتاج أزمة البرلمان منذ 2014، والحد من مشكل توزيع الدوائر الانتخابية التي أعرب البعض عن خشيته من خضوعها للابتزاز السياسي من الحكومات المنقسمة والمتتالية، بحث ستصبح في حال إقرار الفيدرالية أكثر التصاقا بالمقوم المحلي وربما القبلي والاجتماعي، بالتالي الحد من تنازع السلط في هرم السلطة ما يؤثر على أدائها وسيادتها.
صحيح يبدو أن هناك تقاطعات مشتركة وتوافقات بين ما طرح شرقا وغربا، بحيث يكون نظام الأقاليم أشبه بحكم فيدرالي، يكون أساسا لحكم ذاتي لكن مع ضرورة مراعاة عدم الانفصال، وهي نقطة قد يرد تفصيلها في الدستور، كما يقول صاحب المقترح.
فيما يرفض بعض البرلمانيين الفكرة لكونها تتماهى مع محاولات غربية لتقسيم البلاد واستنزاف ثروتها، بينما يرى المؤيدون أن نبذ النظام الهش حاليا، يمكن أن يكون تقوية للحكم المحلي كمخرج لعدم الاستئثار بالسطلة وتغول رأس الدولة، وهو السبب الفعلي حاليا، وراء غياب الثقة من جميع الأطراف مما أجّل إجراء أي انتخابات إلى حد الآن، السبب الرئيس لهشاشة النظام.
وتبدو حتى الآن ردود الفعل تسير على استحياء، فبخلاف الحزب الاتحادي ببنغازي شرقا، الذي رحب بدعم النظام الفيدرالي وفقا للأقاليم الثلاثة، لم يتبلور طرح عام قد يكون بارقة لأي إجماع وطني حول الملف، خاصة من المنطقة الغربية باعتبار أن صاحب المبادرة ممثل للجنوب.
فهل تلتقى الدعوات الشرقية والغربية إلى تنفيذ الحكم الإقليمي أو الفيدرالي في طرح جدي شامل وواسع، أم الأمر مجرد طرح عابر كما سبق؟
_____________