سارة بن سدرين
2- مبدأ تأمين حــق الدفاع:
حق الدفاع هو حق الاستعانة بمحام، وهو حق مكفول بموجب القانون الذي رسم معالم مهنة المحاماة في ليبيا، بموجب القانون عدد 8 لسنة 1965 بشأن المحاماة المنقّح بالقانون عدد 82 لسنة 1975 بشأن إعادة تنظيم المحاماة. تنص المادة الأولى منه على: “المحامون أعوان القضاء في الدفاع عن ذوي الشأن والقيام بالأعمال القانونية لدى المحاكم ومختلف الجهات“.
يؤكّد هذا الفصل أن المحامي هو المدافع عن المتقاضي، وهو المخوّل له دون غيره القيام بالأعمال القانونيّة، مما يتماشى مع المواثيق الدولية على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد على توفير الضمانات اللازمة للدفاع عن كل شخص توجه إليه تهمة. كما أن جملة المبادئ الواردة، بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمتعلّقة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، تنص على أن الشخص المحتجز له الحق في الحصول على المساعدة القانونية من المحامين والاتصال بهم والحصول على مشورتهم.
تأكيدا على دور المحامي في الدفاع وفي إقامة العدل، أكّدت الصيغة الجديدة للمادة الثانية من الفصل الأول من القانون عدد 3 لسنة 2014 بشأن المحاماة الملغي للقانون عدد 82 المذكور على: “المحامي ينوب ويدافع عن الأشخاص الطبيعية والاعتبارية لدى جميع المحاكم والنيابات والهيئات القضائية والإدارية والتأديبية، كما يقدم الاستشارات القانونية“.
يعد الالتجاء إلى محامي هو التجاء إلى مهني مختصّ محترف للقانون، لديه الخبرة الضروريّة، ويفقه دقائق القوانين والإجراءات القانونيّة وهو مسؤول مدنيّا ومهنيّا.
مكّن القانون المحامي دون غيره، بموجب تكليف من حريفه، من الاطلاع على محتوى ملفّ المتقاضي وعلى جميع حيثيّاته وإجراءاته، حسب صريح المادة 16 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 3 لسنة 2014 بشأن المحاماة التي تنص على: “يحق للمحامي الاطلاع على ملفات الدعاوى والمستندات والأوراق لدى الجهات المختصة، وله حق الحصول على صورة رسمية من المستندات مذيلة بختم وتوابع الموظف بالجهة المودعة لديها و يجور للمحامي الدفاع عن المتهم وحضور التحقيقات والاطلاع على الأوراق نيابة عن المتهم المحجوز على ذمة التحقيق، كما له حق الحضور والمرافعة أمام المحكمة المختصة وذلك بموجب توكيل من أحد أقارب المتهم من الدرجة الأولى أو الثانية. وللمتهم أن يقر وكالة المحامي أو بعزله في أول حضور فعلي له أمام المحكمة ويعتبر رضا المتهم في الجلسة الأولى بحضور المحامي إقرارا وإجازة للوكالة“.
يعتبر حق الاستعانة بمحامي أو حق الدفاع، كيفما استقرّ على تسميته، أحد أركان العدالة وركائزها، وقد اعتمد القانون عدد3 لسنة 2014 بشأن المحاماة هذا التوجه في تعريف مهنة المحاماة. إذ تنص المادة الأولى من الفصل الأول منه على: “المحاماة مهنة حرة مستقلة وهي ركن من أركان العدالة تعمل على تحقيقها وعلى حماية الحقوق والحريات“.
وعلاوة على أن حق الاستعانة بمحامي ركن من أركان العدالة وأحد ضمانات الولوج اليها، فهو من مقوّمات المحاكمة العادلة، إذ يكفــل فهم واستيعاب المتقاضين للقانون وللإجراءات المنطبقة. كما يكفل تعزيــز حمايتهم مــن الممارســات التــي مــن شــأنها المســاس بالضمانــات القانونيــة المكفولــة لهــم وفقــا للتشــريع النافــذ والمعاييـر الدوليـة.
رغم أهمية المسالة، فالأمر لا يخلو من نقائص تتعلق أساسا بحضور المحامين في مراحل الاستدلال الأولى أو البحث، وهي من أخطر المراحل التي يتم فيها غالبا التعذيب وانتزاع الاعترافات، ولم يجري العرف و التطبيق على حضور المحامين في هذه المراحل المهمة من سير الدعوى وخصوصا بعد الاحتجاز مباشرة. ولا يستطيع المحتجزين الامتناع عن الحديث قبل حضور محاميهم ولا اعتاد المحامين حضور هذه المراحل من الدعوى. لا يمكن الجزم أن كان ذلك، بسبب خلل تشريعي أم بسبب الممارسات والعرف القضائي وخوف المحامين من الإهانة أو سوء المعاملة، لكن الواقع يبرز تلك النقائص.
طالما كانت الاستعانة بمحامي حقّا، كان لزاما ضمان التمتّع بهذا الحق وتسهيل الولوج إليه حتى لا يكون ضيق الحال والفقر عقبة في التمتّع به. وقع إرساء نظام المساعدة القضائيّة بموجب القانون رقم (10) لسنة 1958 بشأن إصدار قانون نظام القضاء الذي جاء بابه الخامس تحت عنوان “المساعدة القضائيّة“. وهو نظام يمكن المتقاضين الذين لا يملكون الأموال الكافية من مجّانية الدفاع،[28] أي ممارسة حقوقهم أمام القضاء دون تكبّد مصاريف التقاضي وفق شروط وإجراءات خاصة .
بمزيد من التمحيص والتدقيق في النصوص القانونية المتفرّقة، يتبيّن أن قانون الرسوم القضائية رقم 2 لسنة 2003 المتعلّق بالرسوم القضائيّة قد أقرّ كذلك ضمن المادّة 81 منه على إعفاء أصحاب المعاشات الأساسية والضمانية وذوي الدخل المحدود وأصحاب الأسر الكبيرة من الرسوم القضائية المقررة بموجب أحكام هذا القانون.
ينصّ الفصل صراحة على: “يجوز بقرار من أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل والأمن العام، بناء على عرض من رئيس المحكمة أو رئيس النيابة العامة المختص إعفاء أصحاب المعاشات الأساسية والضمانية وذوي الدخل المحدود وأصحاب الأسر الكبيرة من الرسوم القضائية المقررة بموجب أحكام هذا القانون“.
إلاّ أن ما تجدر ملاحظته وما يثير التساؤل، هو أن قانون نظام القضاء رقم 29 لسنة 1962 المنقح لقانون 1958، قد أقرّ نظام المساعدة القضائيّة ونص عليه القانون 51 لسنة 1976 الملغي لقانون 1962 في بابه السادس، في حين خلت أحكام القانون عدد 6 لسنة 2006 بشأن نظام القضاء من أي تنصيص أو إشارة لنظام المساعدة القضائية، والحال أن تطوّر القوانين يقتضي المحافظة على المكاسب التشريعيّة والثبات في القواعد القانونية قصد ضمان الأمان القانوني للمتقاضين.
لكن سرعان ما يتبيّن للمتمعّن في الشأن الليبي أن التخلّي عن نظام المساعدة القضائيّة المكرّس منذ 1958، لا يعكس تراجعا تشريعياّ، بل ربّما يعبّر عن إرادة المشرّع في التخلي عن نصوص أضحت من البديهيّات، في ظلّ قانون المحاماة الشعبيّة التي تمثّل السّبيل أمام المتقاضي الليبي الراغب في التقاضي والاستعانة بمحامي دون مقابل وذلك حسب صريح المادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 1981 في شأن إنشاء إدارة المحاماة الشعبية الذي ينص على: “لمواطني الجماهرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية حق الاستعانة دون مقابل بمحام في القضايا التي ترفع منهم أو عليهم أمام الجهات القضائية، وفقا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون“.
إن قانون المحاماة الشعبيّة ليس بنظام مساعدة قضائيّة، وأنما يعكس فلسفة مردّها تأصيل وتسهيل الحقّ في التقاضي الذي يمثل حق الدفاع أهمّ مقوّماته. فكانت الفكرة تأمين محام لكل مواطن دون عوائق من ذلك العائق المادي الذي يمكن أن يمثّل لوحده حاجزا، قد يحول دون وصول الحقوق إلى أصحابها ومن يريد محاميا خاصّا يمكنه طلب ذلك على نفقته الخاصّة، طبق أحكام المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1990 م بشأن إعادة تنظيم مهنة المحاماة و الذي ينص: “يتمتع كل شخص بحق الدفاع أمام المحاكم والنيابات بواسطة محام من بين أعضاء إدارة المحاماة الشعبية على الوجه الذي يبينه القانون رقم (4) لسنة 81م. المشار إليه، كما له أن يختار محامياً خاصاً على نفقته للدفاع عنه أمام المحاكم وكافة الجهات وطبقاً لأحكام هذا القانون واللوائح الصادرة بمقتضاه“.
***
سارة بن سدرين ـ محامية تونسية لدى محاكم الاستئناف وأستاذة عرضيّة بكلية العلوم القانونية والاجتماعية ، متحصّلة على ماجستير قانون أعمال من كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة ، على شهادة الكفاءة في مهنة المحاماة من المعهد الأعلى للمحاماة بتونس وعلى شهادة في تدريس مادة حقوق الإنسان من المعهد الدولي لحقوق الإنسان بستراسبورغ ” René Cassin
_______________